المشهد السوري في لعبة الامم ..مدجّج بالأوراق الرابحة
في بيان قمة الثماني الكبار في إيرلندا، نلاحظ ظهور توافق دولي أساسي حول سوريا؛ فالقمة تحثّ "السلطة والمعارضة على الالتزام بتدمير كل المنظمات المرتبطة بالقاعدة وطردها من سوريا". الكلام، هنا، موجه إلى المعارضة المسلحة المتحالفة مع الإرهابيين، وليس إلى النظام السوري المنخرط بالقتال ، فعليا، ضد الجماعات الإرهابية.
وهكذا، فإن أي حلّ سياسي في سوريا، حسب الإجماع الدولي، لن يمس المؤسستين العسكرية والأمنية، بصفتهما القوة الأساسية القادرة على دحر الإرهاب. ولكن واشنطن تريد الجيش والأمن ولا تريد قيادتهما السياسية! وهذه مفارقة تدل على وعي ساذج بتركيبة النظام السوري؛ فنحن لسنا في مصر، ولا يمكن، هنا، فك الارتباط بين الجيش والأمن والرئيس.
ولعلّ الاعتراف الضمني بهذه الحقيقة هو الذي دعا قمة الثماني إلى الرضوخ وتحاشي الكلام عن تنحّي الأسد، وكذلك تحاشي الإشارة إلى مشاركة حزب الله في الحرب السورية؛ فالحزب يقاتل الإرهابيين أيضا.
حطَّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على «القمة» مدجّجاً بالأوراق الرابحة في لعبة الأمم،
سورياً: (1) الجيش يتقدم وسط انهيار سياسي ومعنوي للجماعات المسلحة، بدأ منذ هزيمتها في «القصير»، (2) ومشاركة حزب الله في القتال، بكلّ دلالاتها الاستراتيجية، فرضت شرعيتها الواقعية، (3) النظام متماسك وموحد، ويحظى، وفق تقديرات حلف الأطلسي نفسه، بتأييد 70 في المئة من السوريين، (4) وهو جاهز للمفاوضات بوفد ورؤية وخطّة، (5) بينما أكذوبة استخدام دمشق للسلاح الكيماوي لم تصمد في التداول لساعات، (6) العمليات القتالية نوعيّة وتكاد تكون جراحيّة، بينما يرتكب مسلحو «المعارضة» الفظاعات، من المذابح الطائفية إلى أكل الأعضاء البشرية، (7) و«المعارضة»، بكل تلاوينها، سقطت سياسياً وأخلاقياً، وظهرت مفكّكة، وغارقة في الانشقاقات والأجندات الإقليمية الصغيرة.
إيرانياً: (1) حققت الانتخابات الرئاسية نسبة استثنائية من المشاركة الشعبية (حوالى 72 في المئة) بما يعني تجديد شرعية النظام، (2) وشكّل فوز الوسطي الإصلاحي حسن روحاني بمنصب الرئيس مدخلاً لإراحة البلد وتشكيل ما يشبه الإجماع الوطني: رئيس مقبول محلياً وإقليمياً ودولياً، انتخبه الاصلاحيون ويدعمه المحافظون، (3) فالرهان على «ربيع» إيراني، إذاً، انتهى، (4) وانفتحت مرحلة، ربما لن تطول، لكنها كافية لزحزحة الحصار السياسي عن طهران، (4) لكن من دون تنازلات استراتيجية، لا في الملف النووي، ولا في الملف الفلسطيني، ولا في الملف السوري .
إقليمياً، الجبهة المعادية لسوريا تتفكك من داخلها، (1) تركيّا، بغضّ النظر عن يوميات الانتفاضة صعوداً أو هبوطاً، انقسمت عمودياً بين تيار ديني وآخر مدني. بذلك، ستكون جميع الملفات المحلية والاقليمية، وإلى أمد طويل، محلّ خلاف وصراع. وما يهمنا هنا، أن هذا الانقسام، بطبيعته، يتمفصل على الصراع في سوريا. (2) وعلى صعيد الفضاء السياسي العربي ــــ الاسلامي، سقط النموذج الإخواني «الديموقراطي» و«المعتدل»، وانكشفت الأردوغانية عن سُلْطانية استبدادية في خدمة الرأسمال الأجنبي والإمبريالية، (3) وفي الأثناء، تتجه قطر، مركز العمليات المعادية لسوريا، نحو الانكفاء. صحيح أن الوريث تميم سيواصل دعم العدوان على دمشق، لكن قطر «الربيع العربي» انتهت وتهمّشت أجندتها وستؤدي، منذ الآن، دوراً تنفيذياً في السياسة الاميركية في المنطقة .
ماذا لدى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في المقابل؟
خطة لـ«بناء معارضة سورية قوية»، يعني: مدنية وذات صدقية، معادية للإرهابيين، وموحّدة، سياسياً وعسكرياً، وقادرة، بالتالي، على الدخول في مفاوضات لإنشاء حكومة انتقالية من دون الرئيس بشار الأسد، لكن مع الإبقاء على جيشه ومؤسسته الأمنية!
وهذا مجرد سيناريو خيالي لا غير، لكن عنده أيضاً خيار الحرب. والحرب تعرقلها عقدتان: عقدة الهزيمة الأميركية في العراق، وعقدة الأزمة الاقتصادية والمالية، إضافة الى مخاطر اندلاع الحرب الإقليمية الشاملة. ومع ذلك، فقد ينتهي الجنون الإمبريالي ــــ الصهيوني ــــ الرجعي، إلى خوضها في أيّ لحظة من تطورات الصراع.
العرب اليوم