عشية عيد الفطر، وقعت قوة كومندوس إسرائيلية في كمين نصبته المقاومة الإسلامية داخل الأراضي اللبنانية بالقرب من بلدة علما الشعب الحدودية. إسرائيل بلعت لسانها، والمقاومة تستمر بالصمت لأسباب تخصها. لكن ردود الفعل اللبنانية على ما حصل اقتصرت رسمياً على اتصالات مع الأمم المتحدة. أما القوى السياسية فهي مهتمة بأمور أخرى. لكن الموقف الأكثر بروزاً من جانب خصوم المقاومة في لبنان صدر عن الرئيس فؤاد السنيورة.
فقد أعلن رئيس كتلة المستقبل النيابية أن «تسلل الجنود الإسرائيليين قبالة منطقة اللبونة، حيث تعرضوا لانفجار لغم أرضي، خرق فاضح للسيادة اللبنانية وتعدّ عليها وخرق للقرار 1701»، مديناً «هذا الاعتداء الخطير الذي قد يحمل معه بعض الدلالات غير المطمئنة بشأن الأسباب الحقيقية لارتكاب هذا الخرق».
أضاف السنيورة إن «اللبنانيين لا يمكن أن يقبلوا باعتداء خطير كهذا، وعلى الدوائر المختصة إخطار جامعة الدول العربية بهذا الاعتداء»، مطالباً الأمم المتحدة بـ«التحرك الفوري لردع إسرائيل وتنبيهها، لأن إسرائيل هي المعتدية وهي التي تتحمل مسؤولية هذا الاعتداء على لبنان، كما أن هذا الخرق بمثابة تعدّ على قوات الطوارئ الدولية في نطاق عملياتها، وعلى الأمم المتحدة تنبيه إسرائيل وردعها بالوسائل اللازمة».
ربما، يعكس بيان السنيورة جوهر الاستراتيجية الدفاعية لفريق 14 آذار. تلك الاستراتيجية التي لم تر النور بعد. السنيورة يدين «خرق» العدو لسيادة لبنان. يقول إن اللبنانيين «لا يقبلون بهذا الاعتداء» الذي «قد يحمل معه بعض الدلالات غير المطمئنة». لكنه يريد «إخطار» الجامعة العربية، ويريد من الأمم المتحدة «تنبيه إسرائيل وردعها بالوسائل اللازمة».
يعني، يمكن اختصار فكرة الرئيس السنيورة عن ردع العدو بـ«إدانة، وإخطار الجامعة العربية، وأن تصدر الأمم المتحدة تنبيهاً لإسرائيل».
هو، طبعاً، لم يجد حاجة لأن يوجه كلمة الى الجيش بشأن دوره في ردع العدو ومنع خرق إسرائيل للسيادة اللبنانية. وهو لم يجد ما يقوله لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان بشأن دورها في منع الخرق أيضاً. وهو، أصلاً، لا يشعر بوجود المقاومة حتى يتوجه إليها، طالباً أن تمنع الخرق، لأنه إذا فعل يكون قد ضرب جوهر استراتيجيته الدفاعية.
ــــ لو أشار السنيورة الى الجيش ودوره، لكان عليه وعلى فريقه الإقرار بأن الجيش يحتاج الى لوازم تتيح له منع العدو من الخرق وردعه. وهو أمر ليس في قاموس هذا الفريق منذ توليه الحكم قبل ثماني سنوات. وهو أمر لا يتناسب مع هاجس 14 آذار في أن تنحصر مهمة الجيش بنزع سلاح المقاومة، من دون أن يقوم بدورها. هم، ربما، لا يريدون شراء أسلحة للجيش، بل يريدون منه أخذ سلاح المقاومة ثم بيعه.
ــــ لو أشار السنيورة الى دور المقاومة لكان كفر بكل مبادئه التي ثبّتها في عقول أنصار فريقه منذ 8 سنوات، والتي تقول بأنه لا وجود للمقاومة. وهو في هذا المجال، سيكون مضطراً الى الصمت، أقله الصمت، عن سلاح المقاومة لأنه فعال في منع خرق العدو للسيادة اللبنانية. وهو أمر محرج، وليس هو في موقع من يحرج نفسه أكثر.
ــــ يريد السنيورة «إخطار» الجامعة العربية، من دون أن يشرح لنا معنى هذا الإخطار. هل هناك في الجامعة العربية، اليوم، من هو مستعد أصلاً لتلقّي بيان أو إخطار يتعلق بمشكلة بين لبنان وإسرائيل. ثم، ماذا كانت الجامعة العربية لتفعل في حال وصول هذا الإخطار إليها؟ هل ستصدر بيان إدانة وتطالب هي بدورها الأمم المتحدة بتنبيه إسرائيل وردعها؟
ــــ يتوجه السنيورة الى الدوائر المختصة للقيام بمهمة إخطار الجامعة العربية، من دون أن يكلف نفسه تسمية هذه الدوائر باسمها، لأنه في هذه الحالة سيعترف بعدنان منصور وزيراً للخارجية، وهو يرفض ذلك.
ــــ لو طالب السنيورة الأمم المتحدة بموقف عملاني، لكان عليه إدانة دور «شاهد الزور» الذي تقوم به قوات اليونيفيل جنوباً، التي تبرز قدراتها في حالة التجسس على المقاومة، وتبرز هبلها عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ويعرف السنيورة بأن موقفاً كهذا سيكلفه رسالة تحقير وتنبيه ستصله من الولايات المتحدة التي لن ترسل رسالة بهذا المعنى الى إسرائيل. والسنيورة يعرف هنا، أنه لن يقدر على مطالبة العواصم الأوروبية بالشيء وضده. فهو وفريقه كانا في حالة نشاط عندما ألحّا على الاتحاد الأوروبي تصنيف حزب الله على أنه منظمة إرهابية، فكيف سيطالبون أوروبا بإدانة عملانية لعدو حزب الله اليوم؟
ثم ألا يعرف رئيس كتلة المستقبل أن الأمم المتحدة التي يريد منها ردع إسرائيل، تستضيف منذ مدة اجتماعات مكثقة لمندوبين من الاتحاد الأوروبي الذين يعملون على إقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة بتبني قرار الاتحاد الأوروبي بتصنيف المقاومة منظمة إرهابية، علماً بأن السنيورة يعرف أصلاً أن قوات اليونيفيل في جنوب لبنان لا تعرف حتى الاعتراض على الإهانات التي توجّهها لها إسرائيل. ألم يُهَن قائد القوة الجنرال باولو سييرا بتأجيل موعد استقباله في حيفا، لأن ضباط العدو، وهم في رتبة أدنى من رتبة قائد «اليونيفيل»، لا وقت لديهم.
كان ينقص في بيان السنيورة أن يضيف على استراتيجيته الدفاعية الكشف عن سلاحه الاستراتيجي الردعي من خلال رشق العدوّ بعبسة مرفقة بباقة من الدموع... أهكذا تحفظ سيادة الدول!