كنا نعتقد ان عمليات التكريه والتحريض التي تتعرض لها حركة المقاومة الاسلامية “حماس″ تقتصر فقط على بعض محطات التلفزة المصرية، وبرامج محدودة فيها، يشرف عليها بعض رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ولكن التهديدات التي صدرت عن الدكتور نبيل حسين فهمي وزير الخارجية المصري ونشرتها صحيفة “الحياة” اللندنية تؤكد كم كنا مخطئين في اعتقادنا هذا، بسبب ما انطوت عليه من تهديدات لا يمكن ان تصدر عن وزير بمثل دولة شقيقة في حجم مصر، وضد قطاع صغير محاصر.
الدكتور فهمي استخدام لغة تهديدات غير مسبوقة، ما كان لها ان تصدر عن وزير يتربع على عرش المؤسسة الدبلوماسية في بلاده، ومن المفترض ان يترك لغة التهديدات هذه للجنرالات في الجيش او الامن، فكل ما نعرفه ان الدكتور فهمي مثل المرحوم والده، ليس له علاقة بالعسكر من حيث المهنة والتخصص، وانما بالوطنية والدبلوماسية، وطرق التخاطب الراقية.
فعندما يقول الدكتور فهمي “ان رد مصر سيكون قاسيا، اذا شعرت ان هناك اطرافا في حماس او غيرها تحاول المس بالامن المصري” ويشير في الوقت نفسه “الى وجود مؤشرات عديدة سلبية”، ويلوح “بان رد بلاده يتضمن خيارات عسكرية امنية، فان هذا “اعلان حرب”، لم يصدر مثلة ضد اسرائيل منذ حرب العاشر من اكتوبر عام 1973، رغم تجاوزاتها، وقتلها لجنود مصريين وانتهاكاتها العديدة للسيادة المصرية.
الاجراءات المصرية الامنية الخانقة لحركة حماس ومليوني فلسطيني تحت حكمها رهن الاعتقال في سجن لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا تصاعدت بشكل لافت منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق اول عبد الفتاح السيسي واطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وهي اجراءات لم يطبق عشرها في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي اتهمناه بمعاداة الشعب الفلسطيني وحماية اسرائيل، وهذا ليس تبرئة له، وانما انتقادا للحكم الحالي واستهجانا لبعض ممارساته.
***
منذ حدوث انقلاب الثالث من تموز (يوليو) فتحت بعض محطات التلفزة المصرية ابواب جهنم اعلامية ضد حركة حماس بشكل مباشر، والشعب الفلسطيني برمته بشكل غير مباشر، برامج تصور حركة حماس على انها الخطر الاكبر الذي يهدد مصر وقوت شعبها، فهي سبب ازمة المناورات وطوابير البنزين امام المحطات، وتقلص حجم رغيف الخبز، وارتفاع اسعار الطماطم والبصل، ومن المفارقة ان جميع هذه الازمات انفرجت بعد يوم واحد من حدوث الانقلاب.
السلطات المصرية الجديدة دمرت جميع الانفاق، واقامت منطقة عازلة على الحدود مع القطاع بعمق كيلومتر وازالت جميع بيوت المصرين في تلك المنطقة الذين كانوا يعتمدون على تجارة الانفاق غير المشروعة، واغلقت معبر رفح لايام، وما زال المعبر مغلقا حتى كتابة هذه السطور دون اعتبار لحالات استثنائية مثل المرض، ومنعت الصيادين الفلسطينيين الفقراء من الاقتراب من المياه الاقليمية المصرية لالتقاط رزقهم واطفالهم بعد ان اغلقت السلطات الاسرائيلية ابواب الرزق في مياه القطاع باجراءاتها القمعية.
حكومة حماس التي ادركت ارتكابها بعض الاخطاء بمعارضتها للانقلاب الذي اطاح بحليفها الاخواني الرئيس محمد مرسي، حسب التوصيفات المصرية، منعت الخطباء في المساجد من تناول الشأن الداخلي المصري، او المس بالفريق عبد الفتاح السيسي، مثلما منعت اي مظاهرات تضامن مع الرئيس المعتقل ورفاقه، وخرج مسؤولون فيها مثل السيدين اسماعيل هنية وموسى ابو مرزوق على محطات التلفزة يشيدون بمصر وجيشها وافضاله على الفلسطينيين، ولم يبق الا ان يقبلوا الايدي ويركعون شاكرين مقدرين طلبا للصفح والغفران، ولم ينالاه بل زادت الاجراءات تعسفا.
لا ننكر مطلقا ان حركة حماس ساندت الرئيس مرسي، وتعاطفت بطريقة مبالغ فيها مع الاحتجاجات في ميدان رابعة العدوية، واظهرت عداء للجيش المصري عبرت عنه في الفضائيات الموالية لها، وهذا امر متوقع لسببين: الاول انها حركة تشكل امتدادا لحركة الاخوان في فلسطين، والثاني ان عشرات الملايين من المصريين يتعاطفون مع الاخوان، وصوتوا لمرشحيهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية واوصلوا الرئيس مرسي الى سدة الحكم.
ندرك جيدا ان الجيش المصري يخوض حربا شرسة في سيناء ضد جماعات جهادية متمردة اقامت دولة داخل الدولة وان بعض هذه الجماعات وقفت خلف عمليات دموية استهدفت عناصر من الجيش والامن، مثلما نفهم ان هناك اتهامات بوجود علاقة بين هذه الجماعات وبعض مثيلاتها في القطاع لكن حماس نفت نفيا مطلقا اتهامات بالتعاون مع هذا الجماعات، واعربت عن استعدادها للتنسيق مع الجيش المصري لتطويق اخطارها الامنية.
المخابرات المصرية تعرف ابناء قطاع غزة واحدا واحدا، سواء كانوا داخل القطاع او خارجه، وبالتالي تعرف من هو مع حماس ومن هو ليس معها، فلماذا كل هذه الاهانات لابناء الشعب الفلسطيني كله في مطارات مصر حيث يحتجزون لساعات وايام ويبعدون الى من حيث اتوا؟ ثم لماذا اغلاق المعبر بمثل هذه الطريقة بما يحول حياة المرضى والمعوزين الى جحيم وبعض هؤلاء لا يكن ودا لحماس ويتمنى انهيار حكمها امس وليس اليوم.
زعموا ان حماس، بل والشعب الفلسطيني في القطاع يريد الاستيلاء على سيناء وتوطين الالاف فيها، وقيل ايضا انها كسرت السجون لاخراج الرئيس مرسي ورفاقه، وقيل ايضا ان عناصرها وفروا الحماية لقصر الاتحادية عندما حاصره المحتجون وكأن مصر جمهورية موز، ولا يوجد لديها امن مركزي يزيد تعداده عن مليون جندي، انها اهانة لمصر قبل ان تكون تهمة لحماس نفسها، وتضخيما لدورها.
***
عندما اطلع الرئيس الراحل ياسر عرفات على مخططات بناء مطار غزة، لاحظ ان الشركة المصممة وضعت المبنى داخل حدود القطاع مع مصر، ومهبط الطائرات الذي لا يزيد عن عشرات الامتار داخل الاراض المصرية، فاحتج بشدة وطالب بخرائط جديدة تضع مهبط الطائرات كله داخل القطاع الضيق، حتى لا يغضب الاشقاء المصريين لاحقا لمعرفته بحساسيتهم نحو مسألة الارض والسيادة وهذه فضيلة نغبطهم عليها.
نقف على رأس المطالبين بحق مصر في امنها القومي والمساندين له، فأمن مصر واستقرارها هو امنية كل عربي ومطمحه، لانه من امن واستقرار العرب جميعا، ولكننا نتنمى في الوقت نفسه من اشقائنا المصريين، في السلطة والاعلام معا، الرأفة بهذا القطاع وابنائه، وعدم التغول في اهانته وحصاره، فهذا القطاع الغزي عن بكرة ابيه هو امتداد لمصر وشعبها وعروبتها ويفرح لانتصارها حتى في مياين كرة القدم ربما بما يوازي فرحة شعبها او اكثر.
لا نعتقد انه سيكون شرفا كبيرا لمصر لو اقتحمت دباباتها قطاع غزة المحاصر، وقصفت طائراتها الحربية من طراز “اف 16″ الامريكية الصنع بعض مواقع حركة حماس وهي التي اخترقت حاجز الصوت اكثر من مرة وحلقت في اجوائه، ولذلك نأمل ان يتحرك الشرفاء في مصر لتطويق هذه الازمة بسرعة، فمصر كانت وستظل ام العرب جميعا، والمدافعة عن قضاياهم الوطنية، وحقوقهم المشروعة واولها قضية فلسطين.