بقلم سامي كليب
ساخبركم قصة رجل مات اليوم وفي قلبه حسرتان، واحدة لفلسطين التي ولد فيها فرآها تضيع، والثانية لسوريا التي احتضنته فشاهدها تُدمر ..... ساخبركم عن الشاعر والمناضل والمنشد الفلسطيني الذي مات الليله فوق تراب حمص وقلبه يهفو صوب فلسطينه ....
انه محمد صالح . هل عرفتموه ؟ انه أبو عرب هل سمعتم به سابقا ؟ انه منشد الثورة الفلسطينية
ساخبركم عن قامة كزيتونة فلسطين، عن قلب طاهر كحليب النوق في صحارى العرب، عن رجل لم يهتز ولا ارتجف ولا ذرف الدمع حارا الا حين وجد رفات ابنه الشهيد في جنوب لبنان ..... ساخبركم عن بطل جذوره كسنديانة ضاربة في كل ارض عربية .
بكي حين اسشتهد ابنه ، وبكى حين استشهد والده في معركةالشجرة بفلسطين ، وربما بكى ايضا على سوريا لانه كما كل عربي شريف يرى في كل الوطن العربي وطنه ....فكيف بسوريا التي احتضنته بأعز ما تحتضن ابناءها ...
هو منشد
لا بد ما نعود مهما طول المشوار يا يابا
ومنشد
هدي يا بحر هدي طولنا في غيبتنا
ودي سلامي ودي للأرض اللي ربتنا
لم يعش أبو عرب طويلا في الأرض التي ربته فلم يكن قد بلغ السادسة بعد من العمر حتى اندلعت
ثورة عام 1936، شاهد الإنجليز يطاردون عائلته ويعتقلون عمه ولم يكن قد تجاوز الـ18 من العمر بعد حين حلت نكبة فلسطين فغادر الأرض تاركا والده تحت ترابها شهيدا.
صورة الوالد المزارع ابن الأرض السليبة لم تفارق أبو عرب الذي جرح هو الآخر برصاص الإسرائيليين وهو عائد من حقل والده في قرية الشجرة، فكيف لا تتحول الجراح قصائدا وكيف لا يصبح الصوت شجيا لا بل محشرجا ومختصرا نكبة عائلة وأرض وصورة والد شهيد.
انشد
يا أبوي أحكي عن الأوطان واشرح
ما بعرف شو بقي من الأهل
واشرح يابا أوف
ما في شيء يسر النفس
واشرح من ريحة وطنا والاعشاب
أوف أوف أوف...
رغم مشارفته على الثمانين فإن صوت أبو عرب يبدو في عز شبابه وهو من المنشدين النادرين
الذي جمع الكتابة والغناء والصوت الشجي وعرف كيف ينوع أغانيه النضالية الملتزمة بين العتابا والميجانا والدلعونة والأغاني التراثية والشعر الحديث والألحان المبتكرة، وهو إذ يغني فإنما ليرسم للأجيال المقبلة صورة عن قرى ربما ما عادوا يعرفون عنها شيئا وعن قضية قد تضيع،
إبراهيم صالح المعروف نضاليا وشعريا وفنيا باسم أبو عرب أقام جسرا بين الشهادة والشهادة فما كاد دم والده الشهيد يجف تحت تراب فلسطين حتى استشهد ابنه في لبنان وهو يقاوم كما قاوم جده العدو نفسه يخالجه الأمل نفسه بالنصر واستعادة الأرض السليبة.
استشهد ابن أبو عرب على ساحة الجنوب اللبناني استشهد عند تخوم فلسطين وكان على قاب خطوتين من الدخول إلى أرض أهله والأجداد، لم ير أحد آنذاك أبا عرب يبكي فقد عض على الجرح وحبس الدمع وحول جزءا من الألم قصيدة.
انشد :
يا بني يا مقلة عيوني يا بني يا فلذة اكبادي
فيك ما خابت ظنوني وأنت للهيجا جوادي
يا بني موتك وأنت واقف تزأر بساح الميدان
تسخر بريح العواصف تهزأ بشط الأمان
أحلى من عيشة ذليلة تشتكي جور الزمان
يا بني نحن تعودنا نرد عكرات الزمان
والنذل ما كان منا ولا الخنوع ولا الجبان
يا شهيد الوطن حيك ما نسيت تراب حيك
ما انتظرت وداع بيك
عند ما نادى المنادي قلت يا بلادي لاقينا
عند عينك لو لفينا اشهدي ويشهد علينا
وألف مرحب بالشهادة يا بني يا فلذة اكبادي
حين رجعوا يابا ربعك باللي صابك بلغوني
ما سألتهم كيف موتك في بطولتكم نعوني
حينها نشفت دموعي وقفت الرعش بضلوعي
قالوا مات البطل صامد ينتخب عزة ربوعي
عندها رفعت رأسي وراحت بصدري المآسي
يا بني لأقسم في ترابك ودمك هالعطر ثيابك
فرحت يابا بنجاحك يوم حصلت الشهادة
فرحت أكثر في كفاحك في خلودك بالشهادة
يا بني طيفك ما يفارقني في صباحي في مغيبي
يللي فيك رفعت راسي وقدمت عني الضريبة
اسمع أمك، اسمع أمك عم تزغرد تصيح حيك يا حبيبي
يرحم ترابك يا غالي ما طلع فاين حليبي.
---
---
كنت في بيروت اصور مع الشاعر والمناضل والرجل الشامخ كسنديانية الصابر كأيوب الصلب
كصخرة ، كنت اصور معه فيلما في بيروت ، فاطبق باب السيارة على اصبعه. سقط اضفره على الارض. عض على الالم وكبت الوجع، وقال لي :
"يا اخي سامي ، ان من ذاق عذاب الحياة وشاهد اباه وابنه وكل احبائه يستشهدون على الساحات العربية نصرة لفلسطين، كيف يتألم لألم عابر ..... "
علمني ابو عرب ب درسا كبيرا في الصبر، فهو بقي طيلة النهار منتشيا كمن يسابق ربيع العمر وكان يفاجئني بين حين وآخر بارتجال قصيدة كلما مررنا بمكان أو كلما حمل البحر نسمة من فلسطين.
امشي يا موج البحر سلم على الأوطان
أوصل لأرض الوطن قبّل روابيها
سلم على القدس على حيفا على بيسان
وغزة يا غزة بلسان الموج حييا
رحمة الله عليك ايها المناضل الشريف وايها الاب والاخ والصديق والشقيق
ستبقى في قلبي ما دمت حيا