

نارام سرجون

فما أعنف الكلام الذي يتسلح بإشارات الاستفهام ويشهر إشارات التعجب كالسيوف.. وكم هي جليلة مواكب الكلام التي تجرها أبهى الخيول المطهمة.. خيول لماذا وكيف ومتى وهل.. فاسمحوا لي أن أقدم لكم قادة الكلام.. وملوك البيان.. وزعماء الثورات.. أدوات الاستفهام والتعجب.. التي لاتقهر..





وقد تداولت اللغة أن “لماذا” قد أغمي عليها وهي تضحك حتى ازرق وجهها.. وهي ترى مسلسل “مملكة ضايعة” حيث انتهى مسلسل أم الطنافس.. لأن مسلسل طنافس آل سعود قد بدأ..
لقد أوحى كلام المندوب السعودي وكأنه مطلع على أسرار غض الطرف السوري عن الإسرائيليين في الجولان..ومن يسمع الرجل وبيانات السعودية ولهجة التخوين في محطة العربية وكيف تشرح للناس تخاذل النظام السوري عن تحرير الجولان الذي يردد الجميع الآن نفس العبارة في اللوح المحفوظ (أربعون عاما لم تطلق رصاصة واحدة) يعتقد أن السعودية كانت على مدى أربعين عاما توبخ النظام السوري على سكوت الجولان وتمارس الضغوط عليه لفتح الجبهة.. وكانت تدعو الجامعة العربية لطرد النظام السوري الذي يعاند في إطلاق تلك “الرصاصة العزيزة” على قلب المملكة وقلوب الثوار التي لم يطلقها النظام السوري في الجولان..

المملكة تبحث عن رصاصة واحدة لم تطلق في الجولان.. وأنا أبحث عن اسم شهيد سعودي واحد سقط برصاصة إسرائيلية.. بحثت عن أسماء الشهداء السعوديين الذين سقطوا على تراب فلسطين لأقارنهم بما قدمنا في سورية في معركتنا ضد إسرائيل من أجل فلسطين.. فلم أجد اسما واحدا.. كلما كنت أمد يدي إلى رفوف الذاكرة أفتش عن اسم سعودي واحد قتلته إسرائيل أو سعودي واحد أسرته إسرائيل فلم أجد.. عن سعودي قاتل في إسرائيل أو شد الرحال للجهاد في فلسطين لم أجد.. لم توجد حادثة واحدة على مدى الصراع العربي الصهيوني قام فيها سعودي بصفع إسرائيلي.. مئة عام كاملة ولا يوجد خدش واحد تسببت به السعودية أو رعاياها لإسرائيل.. وبعد هذا يبكي السعوديون على صمت الجولان والرصاصة العزيزة التي لم تنطلق..
![]()

بالأسماء.. القتلى السعوديين في سوريا
وبتوسيع دائرة السؤال نصل إلى سؤال خطير آخر هو: كم هو عدد الشهداء الخليجيين عموما (من مجلس التعاون الخليجي العظيم) في الصراع العربي الصهيوني حتى هذه اللحظة؟؟ أو أعطوني اسما واحدا فقط من مجلس التعاون الخليجي سقط في عملية استشهادية في إسرائيل.. أو كان أسيرا.. أو استشهد وسميت مدرسة باسمه أو شارع.. أو صفع إسرائيليا أو كتب شعارا على جدار.. أو سافر عبر الأنفاق ليعطي شمعة لفلسطيني لا صاروخا.. فلم أجد.. صدقا لم أجد..
لا أدري إن كانت هناك مؤامرة بعثية أو ناصرية أو قومية أو شيوعية لطمس تضحيات “الشعب السعودي والقيادة السعودية” وقيادات الخليج العربي المحتل في مشروع الجهاد ضد العدو الصهيوني.. ولكن منذ أن نهضت ذاكرتي وحملت رفوفها ملايين اللحظات المؤلمة وملايين الومضات المشرقة والأحداث والأسماء إلا أنني لم أعثر على اسم شهيد واحد سعودي طيب بدمه ثرى فلسطين.. لا أذكر.. قسما لا أذكر.. ولا حتى شهيد واحد من مجلس التعاون الخليجي الموقر الذي حارب أبناؤه في كل المعمورة إلا في فلسطين..
تخيلوا أن هناك مقاتلين يابانيين قاتلوا في فلسطين..
تخيلوا أن هناك مقاتلين يابانيين قاتلوا في فلسطين..

كوزو أو موتو
وهناك شهداء أمريكيون مثل راتشيل كوري التي سحقت تحت بلدوزر وهي تدافع عن بيوت الفلسطينيين..

وهناك شهداء انكليز من أصول انغلوساكسونية قتلوا في فلسطين مثل الناشط توم هوراندال الذي كان يرمي الحجارة على الجنود الإسرائيليين..
وفنزويليون وعلى رأسهم كارلوس الشهير الذي يقضي عقوبة بالسجن المؤبد في فرنسا بسبب انضمامه لنشاط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. وهناك كوبيون.. وإيرانيون.. ومن كل البلاد العربية إلا دول الخليج العربي وبالذات السعودية.. وإن كان هناك من أسماء شهداء أو معارك لم أسمع بها فربما لأن السعودية “الشقيقة” قد أهملت هذا الجانب المضيء في شعبها وعتمت عليه لأنها لا تريده أن ينمو ولا تريده أن يصبح جزءا من ثقافة شعبية.. ولكن بالفعل لا يوجد شيء واحد في الوجود اسمه معركة أو كتيبة سعودية قدمت شهداء ضد إسرائيل..
أو ماموث في فلسطين ولا يمكن اكتشاف مستحاثة أو بقايا عظام من أصل “سعودي” أو لحية سعودية أو عقالا من عقالاتهم.. فما هذه الظاهرة الغريبة؟؟.. وما هو السر الذي يمنع الشعب السعودي بملايينه من تقديم قربان واحد ضد إسرائيل؟؟ رصاصة واحدة فقط منذ نشوء إسرائيل لم تنطلق من بندقية سعودية على مدى مئة سنة كاملة من الصراع العربي الصهيوني الذي بدأ في بدايات القرن الماضي.. وكان المتطوعون السوريون والمصريون والعراقيون واللبنانيون يتدفقون إلى فلسطين.. ولكن غابت السعودية كليا وكأنها غير موجودة على الخارطة الجهادية.. وغاب شبابها نهائيا.. ولا تستطيع المملكة المباهاة حتى بشهيد واحد على مدى قرن كامل.. أليس هذا شيء يدعو إلى التعجب والاستفهام؟؟ أليس هذا العار فوق كل عار؟؟.
السوريون والمصريون واللبنانيون هم أكثر من ضحى واستشهد في فلسطين.. وكل رصاصة أطلقت في فلسطين أطلقتها من فوهات البنادق أصابع سورية ولبنانية ومصرية ومن كل العرب إلا عرب الخليج وبالذات أبناء المملكة السعودية.. كل الرصاص الذي لم تنم جفونه حول إسرائيل منذ مئة سنة هو في بنادق السوريين وحلفائهم..
هل يمكن أن تتخيلوا مثلا أن نقرأ خبرا يقول التالي:

“بعد اعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المسجد الأقصى اشتبكت القوات العربية السعودية مع لواء غولاني
الإسرائيلي وخاضت معارك ضارية معها.. وقد تمكنت القوات السعودية المدرعة البطلة من تدمير ست دبابات ميركافا.. فيما تمكنت طائرات تايفون التي حصلت عليها المملكة من التصدي لغارات الطيران الإسرائيلي وأجبرتها على الانكفاء بعد إسقاط طائرتين إسرائيليتين.. وقد تم أسر الطيارين إلا أن جيش محمد (وهو ميليشيا شعبية إماراتية وكويتية وقطرية) قام بذبح الطيارين الإسرائيليين.. وفيما كان رجال المغاوير السعوديون يغيرون على المواقع الإسرائيلية نفذ استشهادي سعودي من آل العنزي عملية جريئة ضد قافلة من الجيش الإسرائيلي.. وقد استشهد من جراء هذه المعارك عشرون جنديا سعوديا.. وتردد أن الأمير بندر بن سلطان هدد بإحراق نصف إسرائيل إن هي تجرأت على اقتحام المسجد الأقصى أو لمسه.. فيما قام خادم الحرمين الشريفين بدعوة مجلس الأمن للانعقاد في جلسة طارئة ورتب زيارة عاجلة يجول لها على عواصم القرار.. ونوه إلى أن على العالم.. الخ”.. أليس هذا خيالا من خيالات شهرزاد؟؟.. وقصص سندباد وعلي بابا وأفلام الكرتون والرجل العنكبوت؟؟..



أما السعودية فليس فيها مشهور حديثي واحد.. ولا يوجد فيها من تطوع أو أرسلته المملكة للقتال ضد إسرائيل.. والكتيبة التي أرسلتها السعودية في نهاية حرب تشرين إلى سورية كانت مثل تمثيليات أردوغان وبطولاته وعنترياته الخشبية ولم تشارك في إطلاق رصاصة واحدة.. وقد روى لي ضباط سوريون زاروا تلك القطعة العسكرية السعودية التي تموضعت على الأراضي السورية أنها لم تكن مخولة بإطلاق النار.. وكان أفرادها منهمكين في الطبخ.. وصيد العصافير.. كان جيشا يستحق الشفقة والرثاء.. ولم يكن لهم هم القتال ولا المواجهة والشهادة بل العودة إلى المملكة لقيادة سياراتهم الأمريكية..
القضية ليست في غضب المملكة على صمت الجولان فالسعودية لا تكترث بالجولان وهو لا يساوي عندها أكثر من جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين المحتلتين مع الجولان السوري منذ عام 1967.. ولم تطلق السعودية يومها رصاصة واحدة لا قبل الاحتلال ولا بعده.. ولم تطلق كلمة واحدة.. أو شكوى واحدة.. أو حتى ريحا.. وكأنهما غرقتا في البحر الأحمر في زلزال..

ويخطئ من يعتقد أن للسعودية ثأرا مع الرئيس بشار الأسد.. السعودية بالتأكيد ليس لها ثأر شخصي مع الرئيس
الأسد بسبب وصفه للعائلة المالكة بأنصاف الرجال.. بل تريد المملكة إسقاطه لأسباب لها علاقة بوضعها الوظيفي الإقليمي.. فالحكم السعودي على بداوته ليست له كرامة الرجال الذين يثأرون لكبريائهم بدليل أن الملك (نصف الرجل) جاء إلى دمشق رغم أنه عرف أن الأسد يراه “نصف رجل” ولم يعتذر من هذا التوصيف.. وقد بالغ الملك في الثناء على الرئيس الأسد وأطنب في المديح له لأن المطلوب من المملكة في تلك المرحلة من قبل الأمريكيين هو أن تقنع الأسد وتستميله لكي ينضم إلى نادي“أنصاف الرجال” قبل أن تنضج مرحلة نادي النعاج.. أو نادي “النائين بأنفسهم”.. 

الوظيفة السعودية كانت تشتيت الجهد السوري وما إن يتفكك تحالفه مع محور المقاومة حتى تنقلب تركيا وحماس ويبقى وحيدا فيؤكل الجيش السوري والشعب السوري وتتفتت سورية على غرار ليبيا والعراق اللذين سقطا بسهولة لأنهما كانا بلا حلفاء..


فلماذا لا يطلق الثوار رصاصة واحدة في الجولان على إسرائيل ويحرجون الأسد برصاصة واحدة نحو جندي إسرائيلي.. رصاصة واحدة فقط كافية لإحراج الأسد الذي لم يطلق جيشه رصاصة واحدة.. ثوار السعودية الآن هم في الجولان وعلى تماس مع جيش نتنياهو.. ولا يقدر الأسد كما تدعي السعودية على منع المجاهدين من الوصول إلى الجولان وفلسطين.. لا يحتاج ثوار السعودية في الجولان سوى رصاصة واحدة في الاتجاه الصحيح.. نحو الجنوب.. وليس نحو الشمال.. إنني أتحداهم.. وكلنا نتحداهم.. والعالم يتحداهم.. ويتحدى أنصاف الرجال.. وأنصاف النساء..
متى ستطلق السعودية رصاصة واحدة فقط في صنافير وتيران؟؟ كم انتحاريا سعوديا قتل نفسه في فلسطين؟؟.. وكيف لا تصدر فتوى جهاد واحدة لشباب المسلمين نحو تحرير الجولان؟؟.. وعلام.. ومتى..
إن أكبر عدو لثوار العرب وثورات ملوك النفط والغاز هي أدوات الاستفهام العنيدة القاسية وإشاراتها المهيبة وعبوسها الرهيب.. بل في سخريتها اللاذعة.. التي تحاكمهم وتحاكم مشروعهم ومشروعيتهم.. وتحاكم قراراتهم ودمويتهم وعمالتهم وخيانتهم وغباءهم الذي أوصل مجتمعاتهم إلى الخراب والدمار الأقصى والتشظي والتحنيط.. والمعركة التي بيننا وبينهم هي من أجل ألا تموت أدوات الاستفهام من اللغة ويجري دفنها.. فالمصيبة التي يريدون إيجادها هي فرض أجوبة جاهزة علينا وإعدام أدوات الاستفهام وخلق ثقافة أن زمن الأسئلة انتهى لأن الثورة بزعمهم أجابت على كل الأسئلة وأحالت كل إشارات الاستفهام والتعجب إلى التقاعد.. فالثورة حملت معها زمنا تموت فيه الأسئلة.. بعد أن تذبح كيف ومتى لأنها من أدوات الشك وتكسير اليقين.. ولا يقين بعد يقين الثوار.. وبعد أن تنكح “لماذا”.. وتملك “أين” و”علام” ملك اليمين.. ويستحوذ على “هل” كما يستحوذ خليفة عثماني على غلام أمرد..
أما نحن فإننا هدمنا الربيع بأدوات الاستفهام الرهيبة فقط.. هدمنا الجزيرة وهدمنا الإخوان المسلمين وهدمنا الخيانات.. ونحن من أوقف الحمير التي حملت أسفار الثورة.. وسنهدم بصولجان الاستفهام ممالك الحمير وقلاعهم.. فلا شيء يهدم هذا الجنون العربي وهذا الربيع وهذه الممالك العاهرة مثل الكلام الذي تقوده أسئلة ثائرة.. فائرة.. هادرة.. أسئلة تهدم الممالك.. وترميها في المهالك