مخيم اليرموك إن حكى!
كارمن جوخدار
«ضربت ابنتي، بعدما استيقظت في منتصف الليل تبكي جائعة»، تقول أم رائد، وهي فلسطينية تسكن في مخيم اليرموك في سوريا. تروي فصولاً من معاناتها على مدى أشهر مع أطفالها الأربعة في المخيم.
أم رائد التي خرجت منذ الثانية ظهراً في انتظار الحصول على المساعدات لم تعد حتى التاسعة، تجيب على الهاتف الأرضي بصوت تعب، «عدتُ للتوّ إلى منزلي. لن أغادر المخيم كي لا أسمح للغريب بأن يستبيح بيتي ولأن لا قدرة لي أصلاً على المغادرة، فليس لي أحد خارج المخيم».
وتضيف: «بعدما انتهت المؤونة عشنا أشهراً على الخبيزة والحشائش؛ ثم كنا نشتري البهارات بنكهة الجبنة أو الكاتشاب ونضيفها إلى المياه المغلية مع بعض السبانخ أو الفجل». وصفة الحساء هذه كانت غذاء العائلة لمدّة شهرين في ظل غلاء الأسعار ووصولها إلى أرقام خيالية. وتشير أم رائد إلى أنه مع «فتح أسواق بيت سحم اشترينا كيلوغرام الأرز بـ11 ألف ليرة سورية والسكر بستة آلاف ليرة»، مشيرة إلى أنها مضطرة لشراء الأرز والسكر «نظراً لهبوط معدّل السكر في جسمي وجسم أولادي وفي ظل غياب أي إمكانية للمساعدة الطبية».
تقول أم رائد: «تحوّلنا أنا وأطفالي إلى هياكل عظمية.. أشبه بأشباح.. كما كل سكان المخيم»، مشيرة إلى أن «بعض سكان المخيم أكلوا لحوم حيوانات واقتات آخرون من عشبة رجل العصفور السامّة. أنا شخصياً تسمّمّت بعدما تناولتها 3 مرات. رأيت مرات عدّة كباراً في السن يبحثون عن النبتة السامّة في القمامة ليأكلوها. بعض السكان كان يصطاد الحمام في السماء».
تتذكّر بوجع قول ابنها حين كانت تعده بأنها ستعمل على إخراج العائلة من المخيم، «ماما ما في أكل. خلص. إذا متنا هون من الجوع، الله سيطعمنا فهو لديه كل شيء».
وتشير إلى أن نساء المخيم استقبلن المساعدات بالزغاريد، فيما بكى الأطفال راجين كسرة خبز. وتخبر عن امرأة حامل توفى توأمان في بطنها وعن رجل طاعن في السن وقع أثناء تلقي المساعدات فمات بعد أن داس عليه الناس، الحادثة التي تكرّرت مع امرأة أخرى إلا أنها نقلت إلى مستشفى فلسطين حيث تمّت معالجتها».
تفيد المرأة الصامدة في المخيم بأن في المخيم حوالى 6 آلاف عائلة، معتبرة أن «طرد المسلحين، وهُم مشكلة المخيم وخاصة في يلدا والحجر الأسود، هو بداية الحلّ ثم انتشار الفصائل وفتح الطريق تمهيداً لعودة الأهالي».
«حلمي أفتح الحاجز»، يقول الطفل الفلسطيني الذي لم يتخطَّ سنواته التسع للناشطة نور جودة خلال حلقة تدريبية.
وتشير الناشطة الفلسطينية التي تعمل في مجال الإغاثة، والتي عانت شهوراً من الحصار وخرجت مؤخراً من المخيم مع الطلاب لاستكمال دراستها بعد أن فوّتت عاماً دراسياً بسبب تأزم الأوضاع في اليرموك، إلى أنها حين سمعت عن أول حالة وفاة بسبب الجوع لم تصدّق وذهبت إلى المستشفى لتتأكد من الخبر، «رأيت 4 جثث مكدّسة فوق بعضها إلا أن سماكتها جميعاً لا تتجاوز سماكة جسدين».
تشير إلى أن «البعض رمى أطفاله بسبب الجوع فيما استشرت حالات الاغتصاب وقامت نساء ببيع شرفهن مقابل كيلوغرام واحد من الأرز»، وتخبر بوجع عن رضيعة أخرجتها من المخيم بعد أن رمى بها والدها في الشارع لعدم قدرته على إطعامها، مشيرة إلى أن «الطفلة كانت تعاني من آثار حروق، فقد كان الوالد يحرق أثاث المنزل لتدفئتها فيما كان يستخدم أكياس النايلون بدلاً من الحفاضات». وقد استطاعت نور أن تنقذ الفتاة وتخرجها من المخيم وتعتني بها وهي في طور الشفاء.
تؤكد جودة التي اعتقلها المسلّحون بسبب عدم ارتدائها الحجاب، أنه «تم تسليم المخيم للمسلحين، الذين تمكّنوا من المخيم، وباتوا يرفضون خروج المدنيين ويستخدمونهم كدروع بشرية»، مشيرة إلى الارتفاع الجنوني للأسعار حيث «وصل كيلوغرام الأرز إلى 130 دولاراً أميركياً والسيجارة الواحدة إلى حوالي 40 دولاراً، حيث بات يتم تبديل سيجارتين بشاشة بلازما».
وتختم الشابة: «كل يوم نموت فيما نحن آخر معاقل المقاومة باتجاه فلسطين للقضاء على قضيتنا وحقنا بالعودة إلى أرضنا»، مضيفة: «القيادات الفلسطينية تقبض أموالاً علينا منذ أكثر من سنة. ووزير العمل الفلسطيني أحمد مجدلاني لم يتكبّد عناء زيارة المخيم وحين زاره ناشطون فلسطينيون ودعوه إلى زيارة المخيم، قال: أكيد عم تمزحوا».
يشير ناشط فلسطيني آخر يعمل في مجال الإغاثة، رفض الكشف عن هويته، إلى سكان المخيم، قائلاً إن «شكلهم بات كالمومياء... وجوههم شاحبة وأجسامهم هزيلة وسط انتشار الأمراض والجوع في المخيم. البعض أصيب بالجنون.. كنت ألتقي بشباب ورجال ونساء يحدثون أنفسهم بصوت مرتفع وآخرين يقضون يومهم بحثاً عن عشبة رجل العصفور السامّة».
يخبر عن طفل قال له في إحدى الحلقات الدراسية: «أستاذ أنا حلمت برغيف خبز. أنا جوعان»، ويشير إلى أن «4 قتلوا رجلاً من أجل أوقية أرز في ساحة الريجي».
يروي عن حادثتين كان شاهداً عليهما؛ الأولى حين قالت أم لطفلها: «يا أمي الجوع كافر بيخليني ساوي أشياء ما برضى فيها»، والأخرى حين وقفت امرأة أمام مسلّح تقول له: «خود شو ما بدك بس اعطيني كيلو رز اطعمي ولادي».
يشير الناشط محمد جلبوط إلى «وجود 12 ألف شخص في المخيم، اليوم، فيما كان العدد في السابق حوالي 40 ألفاً»، مؤكداً وفاة 160 شخصاً بسبب الجوع.
ويفيد بأن قائد لواء «أسود التوحيد» أبو النور الدريب، الذي قتله الجيش السوري في وقت لاحق، مع مجموعته، كان ومجموعته يسرقون المعونات ويحرقون أحذية الأطفال ليتدفأوا عليها فيما يسير أطفال المخيم حفاة».
يتحدث بوجعٍ عن إهانة رموز فلسطينية وخاصة ليلى خالد على خلفية مواقفها من التطورات السورية وجورج حبش وغيرهم، مشيراً إلى أنه أثناء توزيع المساعدات وصلت قافلة من النساء المنقّبات، فطالب أحد المسلحين العاملين في مجال الإغاثة بمنح هؤلاء المساعدات قائلاً: «نساؤنا الشريفات الطاهرات العفيفات»، مؤكداً أن المسلحين كان يسطون على جزء كبير من المساعدات.
وأشار عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام المركزي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة» أنور رجا لـ«السفير»، إلى أن الآلاف من فلسطينيي اليرموك غادروا إلى السويد، وتنتظر عائلاتهم طلب لمّ شمل، فيما غادر آخرون إلى لبنان وغيرهم إلى مصر وليبيا ودول أوروبية.
من النكبة إلى النكسة إلى انتكاسة جديدة في سوريا. انتكاسة في طيّاتها أكثر الفصول وجعاً وأكثرها إيلاماً في انتظار حل يُنهي معاناة شعب أنهكه التاريخ بفصوله.
السفير
«ضربت ابنتي، بعدما استيقظت في منتصف الليل تبكي جائعة»، تقول أم رائد، وهي فلسطينية تسكن في مخيم اليرموك في سوريا. تروي فصولاً من معاناتها على مدى أشهر مع أطفالها الأربعة في المخيم.
أم رائد التي خرجت منذ الثانية ظهراً في انتظار الحصول على المساعدات لم تعد حتى التاسعة، تجيب على الهاتف الأرضي بصوت تعب، «عدتُ للتوّ إلى منزلي. لن أغادر المخيم كي لا أسمح للغريب بأن يستبيح بيتي ولأن لا قدرة لي أصلاً على المغادرة، فليس لي أحد خارج المخيم».
وتضيف: «بعدما انتهت المؤونة عشنا أشهراً على الخبيزة والحشائش؛ ثم كنا نشتري البهارات بنكهة الجبنة أو الكاتشاب ونضيفها إلى المياه المغلية مع بعض السبانخ أو الفجل». وصفة الحساء هذه كانت غذاء العائلة لمدّة شهرين في ظل غلاء الأسعار ووصولها إلى أرقام خيالية. وتشير أم رائد إلى أنه مع «فتح أسواق بيت سحم اشترينا كيلوغرام الأرز بـ11 ألف ليرة سورية والسكر بستة آلاف ليرة»، مشيرة إلى أنها مضطرة لشراء الأرز والسكر «نظراً لهبوط معدّل السكر في جسمي وجسم أولادي وفي ظل غياب أي إمكانية للمساعدة الطبية».
تقول أم رائد: «تحوّلنا أنا وأطفالي إلى هياكل عظمية.. أشبه بأشباح.. كما كل سكان المخيم»، مشيرة إلى أن «بعض سكان المخيم أكلوا لحوم حيوانات واقتات آخرون من عشبة رجل العصفور السامّة. أنا شخصياً تسمّمّت بعدما تناولتها 3 مرات. رأيت مرات عدّة كباراً في السن يبحثون عن النبتة السامّة في القمامة ليأكلوها. بعض السكان كان يصطاد الحمام في السماء».
تتذكّر بوجع قول ابنها حين كانت تعده بأنها ستعمل على إخراج العائلة من المخيم، «ماما ما في أكل. خلص. إذا متنا هون من الجوع، الله سيطعمنا فهو لديه كل شيء».
وتشير إلى أن نساء المخيم استقبلن المساعدات بالزغاريد، فيما بكى الأطفال راجين كسرة خبز. وتخبر عن امرأة حامل توفى توأمان في بطنها وعن رجل طاعن في السن وقع أثناء تلقي المساعدات فمات بعد أن داس عليه الناس، الحادثة التي تكرّرت مع امرأة أخرى إلا أنها نقلت إلى مستشفى فلسطين حيث تمّت معالجتها».
تفيد المرأة الصامدة في المخيم بأن في المخيم حوالى 6 آلاف عائلة، معتبرة أن «طرد المسلحين، وهُم مشكلة المخيم وخاصة في يلدا والحجر الأسود، هو بداية الحلّ ثم انتشار الفصائل وفتح الطريق تمهيداً لعودة الأهالي».
«حلمي أفتح الحاجز»، يقول الطفل الفلسطيني الذي لم يتخطَّ سنواته التسع للناشطة نور جودة خلال حلقة تدريبية.
وتشير الناشطة الفلسطينية التي تعمل في مجال الإغاثة، والتي عانت شهوراً من الحصار وخرجت مؤخراً من المخيم مع الطلاب لاستكمال دراستها بعد أن فوّتت عاماً دراسياً بسبب تأزم الأوضاع في اليرموك، إلى أنها حين سمعت عن أول حالة وفاة بسبب الجوع لم تصدّق وذهبت إلى المستشفى لتتأكد من الخبر، «رأيت 4 جثث مكدّسة فوق بعضها إلا أن سماكتها جميعاً لا تتجاوز سماكة جسدين».
تشير إلى أن «البعض رمى أطفاله بسبب الجوع فيما استشرت حالات الاغتصاب وقامت نساء ببيع شرفهن مقابل كيلوغرام واحد من الأرز»، وتخبر بوجع عن رضيعة أخرجتها من المخيم بعد أن رمى بها والدها في الشارع لعدم قدرته على إطعامها، مشيرة إلى أن «الطفلة كانت تعاني من آثار حروق، فقد كان الوالد يحرق أثاث المنزل لتدفئتها فيما كان يستخدم أكياس النايلون بدلاً من الحفاضات». وقد استطاعت نور أن تنقذ الفتاة وتخرجها من المخيم وتعتني بها وهي في طور الشفاء.
تؤكد جودة التي اعتقلها المسلّحون بسبب عدم ارتدائها الحجاب، أنه «تم تسليم المخيم للمسلحين، الذين تمكّنوا من المخيم، وباتوا يرفضون خروج المدنيين ويستخدمونهم كدروع بشرية»، مشيرة إلى الارتفاع الجنوني للأسعار حيث «وصل كيلوغرام الأرز إلى 130 دولاراً أميركياً والسيجارة الواحدة إلى حوالي 40 دولاراً، حيث بات يتم تبديل سيجارتين بشاشة بلازما».
وتختم الشابة: «كل يوم نموت فيما نحن آخر معاقل المقاومة باتجاه فلسطين للقضاء على قضيتنا وحقنا بالعودة إلى أرضنا»، مضيفة: «القيادات الفلسطينية تقبض أموالاً علينا منذ أكثر من سنة. ووزير العمل الفلسطيني أحمد مجدلاني لم يتكبّد عناء زيارة المخيم وحين زاره ناشطون فلسطينيون ودعوه إلى زيارة المخيم، قال: أكيد عم تمزحوا».
يشير ناشط فلسطيني آخر يعمل في مجال الإغاثة، رفض الكشف عن هويته، إلى سكان المخيم، قائلاً إن «شكلهم بات كالمومياء... وجوههم شاحبة وأجسامهم هزيلة وسط انتشار الأمراض والجوع في المخيم. البعض أصيب بالجنون.. كنت ألتقي بشباب ورجال ونساء يحدثون أنفسهم بصوت مرتفع وآخرين يقضون يومهم بحثاً عن عشبة رجل العصفور السامّة».
يخبر عن طفل قال له في إحدى الحلقات الدراسية: «أستاذ أنا حلمت برغيف خبز. أنا جوعان»، ويشير إلى أن «4 قتلوا رجلاً من أجل أوقية أرز في ساحة الريجي».
يروي عن حادثتين كان شاهداً عليهما؛ الأولى حين قالت أم لطفلها: «يا أمي الجوع كافر بيخليني ساوي أشياء ما برضى فيها»، والأخرى حين وقفت امرأة أمام مسلّح تقول له: «خود شو ما بدك بس اعطيني كيلو رز اطعمي ولادي».
يشير الناشط محمد جلبوط إلى «وجود 12 ألف شخص في المخيم، اليوم، فيما كان العدد في السابق حوالي 40 ألفاً»، مؤكداً وفاة 160 شخصاً بسبب الجوع.
ويفيد بأن قائد لواء «أسود التوحيد» أبو النور الدريب، الذي قتله الجيش السوري في وقت لاحق، مع مجموعته، كان ومجموعته يسرقون المعونات ويحرقون أحذية الأطفال ليتدفأوا عليها فيما يسير أطفال المخيم حفاة».
يتحدث بوجعٍ عن إهانة رموز فلسطينية وخاصة ليلى خالد على خلفية مواقفها من التطورات السورية وجورج حبش وغيرهم، مشيراً إلى أنه أثناء توزيع المساعدات وصلت قافلة من النساء المنقّبات، فطالب أحد المسلحين العاملين في مجال الإغاثة بمنح هؤلاء المساعدات قائلاً: «نساؤنا الشريفات الطاهرات العفيفات»، مؤكداً أن المسلحين كان يسطون على جزء كبير من المساعدات.
وأشار عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام المركزي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة» أنور رجا لـ«السفير»، إلى أن الآلاف من فلسطينيي اليرموك غادروا إلى السويد، وتنتظر عائلاتهم طلب لمّ شمل، فيما غادر آخرون إلى لبنان وغيرهم إلى مصر وليبيا ودول أوروبية.
من النكبة إلى النكسة إلى انتكاسة جديدة في سوريا. انتكاسة في طيّاتها أكثر الفصول وجعاً وأكثرها إيلاماً في انتظار حل يُنهي معاناة شعب أنهكه التاريخ بفصوله.
السفير