|
أوقات الشام
أحمد الشرقاوي
لعبة الظلال والمرايا
خلال دردشة ودية على فنجان قهوة، سألني صديق يعمل دبلوماسيا في إحدى الدول الأوروبية عن رأيي فيما يجري في سورية.. فأجبت محاولا أن أتخذ موقف الحياد الإيجابي: “بسبب تسارع الأحداث وتعقيداتها وزحمة الأخبار وتحليلاتها اختلط علينا الأمر ولم نعد نعرف الحابل من النابل”. قال: “هل قرأت مسرحية “الشيطان و الله” (Le Diable et le Bon Dieu) لجون بول سارتر؟” قلت: “نعم”. قال: “وما رأيك؟”. قلت: “إنه الصراع الأزلي بين الخير والشر، والمسرحية تبدو كلعبة الظلال والمرايا.. فمن ينظر للصراع في الملعب السوري سيرى الأسد وكأنه ‘الشيطان’ الذي يقتل شعبه، والمعارضة هي ‘جند الله’ الذين يستشهدون دفاعا عن الخير وحق الشعب في العيش بحرية وكرامة.. أليست هذه هي الصورة التي يركز عليها الإعلام في الغرب؟.. لكنك إذا نظرت للصراع من خلال مرآة، فستكتشف الظلال الخفية المحركة للأزمة السورية برمتها.. وستظهر لك الحقائق معكوسة.. اليمين يسار واليسار يمين.. والأمور ليست كما تبدو ويصورها الإعلام المدفوع الأجر، بل هي حرب دولية بالوكالة تخوضها أطراف عدة في الملعب السوري لأهداف لا علاقة لها بالحرية والكرامة بل بالمصالح الجيوستراتيجية”. قال: “هذا واضح، لكن.. هل تعتقد أن الأسد سينتصر على الإرهاب؟”. قلت: “لا أعلم.. التاريخ يقول أنه لا يمكن الانتصار على الأشباح.. بدليل ما حدث في أفغانستان زمن الإحتلال السوفييتي والأمريكي وما حصل في العراق ولا يزال”. ابتسم.. دفع ثمن القهوة.. وقبل أن ينصرف، نصحني أن أسلط الضوء على الظلال لرؤية الأجسام الشفافة التي تصارع الأشباح في الظلام.
كيف انتصرت سورية فيما فشلت فيه أمريكا؟
باستثناء “فنجان القهوة” كل الحديث المذكور أعلاه، يدخل في باب الرموز والألغاز.. لكنه يلخص الحالة السورية من وجهة نظر معرفية غير متداولة في الإعلام.. كيف؟
بغض النظر عن من يمثل الشر ويحارب من أجل الشيطان، ومن يمثل الخير ويحارب من أجل الإله الصالح في سورية، هناك معطيات غائبة لا يتداولها الإعلام ولا يتناولها المحللون والكتاب، ذلك أن جلهم يكتفي بالبناء على المعلومة الإخبارية المتوفرة ليقدم خلاصته من وجهة نظر يغلب عليها الطابع الذاتي.. هذا معلوم ومفهوم، لكن مثل هذا المقترب لا ينتج معرفة عقلانية تفيد القارىء.. صحيح أن المعلومة تعتبر اليوم سلاحا حاسما سواء في السياسة أو الإدارة أو الإستراتيجيا العسكرية، ومن يملك المعلومة الصحيحة يستطيع أن يتخذ قرارا سليما يؤدي إلى نتائج إيجابية على الأرض، والعكس صحيح أيضا.. لكن ما العمل حين نكون أمام كم هائل من المعلومات ليس بينها معلومة واحدة توفر جوابا مفيدا حول حقيقة حرب الأشباح الدائرة اليوم في سورية؟..
وحتى لا نخلص إلى نتائج مجانبة للصواب، علينا أن ننطلق من مقدمات صحيحة، وفي الحالة السورية، المقدمة الوحيدة التي تفرض نفسها على المحلل العقلاني اليوم تتمثل في السؤال التالي: – كيف استطاع الأسد في غضون أسابيع قليلة لا تتجاوز عدد أصابع الكف الانتصار على الإرهاب.. فيما فشلت أمريكا في ذلك خلال أزيد من عقد من الزمن في افغانستان والعراق، برغم عديد جنودها وامكاناتها العسكرية والتكنولوجية والمخابراتية والمالية الهائلة وبرغم مساندة الحلفائها؟…
مفاتيح للفهم..
بالعودة إلى تصريحات الرئيس بشار الأسد، سواء تلك التي أدلى بها خلال تعيينه للحكومة السورية الجديدة بتاريخ 27/06/2012، أو تلك التي أدلى بها بمنسبة اجتماعه مع الوفد الأردني الذي زار دمشق بتاريخ 11/02/2013، أو تلك التي أدلى بها لصحيفة ‘الصنداي تايمز’ البريطانية بتاريخ 04/03/2013، نجدها جميعها تختزل الوضع في سورية في العبارة التالية: ” لن نتراجع عن ثوابتنا رغم «الضغوط والمؤامرات» وسوريا في حالة حرب حقيقية وستنتصر فيها”. والملفت أنه ركز في تصريحه لصحيفة ‘الصانداي تايمز’ بشكل خاص، على القول: “إن سورية على مفترق، وإن اللعب على هذا المفترق سيتسبب بتداعيات في عموم الشرق الاوسط”. هذه رؤية استراتيجية واضحة للصراع، تشمل سورية والمنطقة برمتها.
غير أن تصريحات الأسد لم تفهم كذلك، بل استهجنها الإعلام الغربي والخليجي وسخر منها، وذهب وزير الخارجية البريطاني ‘وليام هيغ’ في تعليقه على تصريح الأسد لصحيفة ‘الصنداي تايمز’ حد القول أن“الأسد يروج للأوهام”،معلقا بالعبارة التالية: ” أعتقد أن هذه المقابلة ستكون الأكثر بيعا للوهم من كل المقابلات التي أجراها رئيس دولة في هذا العصر”. وواضح أن الغرب كانت لديه قناعة، بل أستطيع القول “يقين”، بأن نظام بشار الأسد ذاهب إلى زوال ولو بعد حين.
حسنا، لنترك الأحكام القيمية على تصريحات بشار الأسد جانبا، ونبحث عن مصداق لكلامه في جهة ثانية.. بتاريخ 16/12/2012 قال السيد حسن نصر الله في خطاب له بمناسبة حفل التخريج الجامعي السنوي 26 ما مفاده: “إن المعارضة السورية لا يمكن أن تخرج منتصرة من الصراع المستمر منذ 21 شهراً، ومن يظن العكس فهو مخطىء”. ولنصر الله مجموعة تصريحات جائت في ثنايا خطابات عديدة ومناسبات مختلفة يمكن تلخيص أهمها في المقولات التالية: “سورية ستنتصر على الإرهاب التكفيري” و “من يعتقد أن بشار الأسد سيسقط فهو واهم.. واهم.. واهم حتى ينقطع النفس”. وفي إحدى خطبه نصح القاعدة بعدم السقوط في الكمين السوري الذي يتم استدراجها إليه من حيث لا تدري. هذه رؤية ثانية واضحة وضوح الشمس وتدعم رؤية الأسد لمآل الصراع في سورية، مع بعض التفصيل المختصر والمفيد الذي يوشي بأن هناك استراتيجية فعالة سيتم تنفيذها في الوقت المناسب لقلب الطاولة على المراهنين على الوهم.
أما إيران، فقد التزمت الصمت حيال ما يجري في سورية باستثناء بعض التصريحات العابرة التي تفيد أن “أمن سورية من أمن إيران” وأن “إيران لن تتخلى عن حليفتها سورية باعتبارها تمثل محور المقاومة في المنطقة”… هذه رسائل عامة لمن يهمه الأمر. وواضح أن إيران كانت تعمل في الخفاء وتفضل الديبلوماسية السرية على التصريحات العلنية. فقد بلغ بها الأمر حد تهديد تركيا بضربها عسكريا عند بداية الحديث عن إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري قبل أشهر، حيث قال الموفد الإيراني للمسؤولين الأتراك وفق ما سربته جهات تركية للصحافة في حينه: “مقابل كل جندي تركي تطأ قدماه أرض سورية سيدخل 10 جنود ايرانيين إلى تركا”.. وصلت الرسالة فتعقلت تركيا وتراجعت عن حلمها المجنون.
لكن اللافت بل والمثير للإهتمام، هو تصريح مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان، الجمعة 12/04/2013، والذي حمل من خلاله الدول الغربية والعربية مسؤولية الدم الذي يراق في سورية، حيث قال: “إن الإرهابيين في سورية سوف ينتهون قريبا”، موضحا كلامه لمن لا يفهمون لغة الإشارة من خلال قوله بصريح العبارة: “إن الأوضاع الميدانية في سورية تتجه بحيث سيرى العالم قريبا هزيمة القوى الخارجية والإرهابيين في هذا البلد المهم في محور المقاومة”. مضيفا من باب وذكر فإن الذكرى تنفع…: “إن طهران تقف بقوة إلى جانب محور المقاومة”. هذا إخبار يفيد المرحلة المتقدمة التي حققتها استراتيجية محور المقاومة على الأرض، ويبشر بنهاية حتمية للإرهاب، ونتائج وخيمة للمراهنين عليه لحسم الصراع في سورية. كما أنه كلام كبير وخطير، وسنتطرق لترجمته بعد قليل، لتوضيح كيف تم تصريفه عمليا في الملعب السوري.
التصريحات التي أوردناها أعلاه هي كلام سياسي ثقيل يحمل في ظاهره معاني عامة قد لا يفهمها الكثير من الناس، بمن فيهم المسؤولين الغربيين كـ’وليام هيغ’، بالإضافة لبعض العرب كـ’بندر بن سلطان’ وأمير مشيخة قطر ووزير خارجيته وغيرهم كثير.. لكن في طيات هذا الكلام رسائل مشفرة وصلت لأصحابها وفهموا جيدا فحواها، ونقصد بذلك الإدارة الأمريكية. بدليل ما قاله مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية الجمعة 12/04/2013 حول ايران جاء فيه: إن “ايران تلعب دورا خبيثا في سورية”.
وخلاصة ما نريد أن نصل إليه هو: إذا كان تصريح الأسد يمكن تصنيفه في إطار الحرب النفسية كما يعتقد الغرب وأدواته، فإن تصريح السيد حسن نصر الله لا يمكن أن يعتبر كذلك، بدليل أن هذا الرجل لم يعۆد أعدائه على التصريحات المتناقضة والجوفاء، وأثبت للعالم كله صدق كلامه وقوة فراسته وأنه رجل استراتيجي من العيار النادر، الأمر الذي أكسبه من المصداقية ما جعل أعدائه يصدقونه قبل أصدقائه.. وهذا لعمري كرامة وعزة من عند الله تعالى يهبها لأوليائه المخلصين فقط. وبالتالي، فمن يصدق السيد حسن نصر الله لا يمكن أن يكذب الأسد ولا علي خامنائي أو أحمدي نجاد أو غيرهم من المسؤولين في محور المقاومة… لأن الأمر يتعلق بتحالف مؤمن بربه وقضياه العادلة، قوي برجاله وعتاده ومعرفته، منسجم مع نفسه، ملتزم بالدفاع عن وجوده وقضايا أمته وعلى رأسها فلسطين المغتصبة.. محور يمتلك رؤية للصراع، له استراتيجية واضحة المعالم، وخطط عملية سرية لا يعلمها إلا الله.
أطراف الصراع و أهدافه و أدواته
لقد أصبح واضحا اليوم للجميع، أن من يدير اللعبة برمتها في الملعب السوري هي الإدارة الأمريكية بمساعدة أدواتها الإقليمية سواء من أوروبا كفرنسا وبريطانيا أو من منطقة الشرق الأوسط كالسعودية وقطر وتركية والأردن من بين دول أخرى لها أدوار محدودة تكاد لا ترى إلا عند التركيز على الصورة الكاملة. وفي الجهة المقابلة، هناك سورية وحلفائها الإقليميين كإيران وحزب الله، والدوليين كروسيا والصين.
أما الهدف المعلن فيتمثل في إسقاط نظام الأسد بأي ثمن حتى لو أدى الأمر ليس إلى تدمير سورية الدولة والكيان فقط، بل وانفجار المنطقة برمتها.. ونحن لا نبالغ إذا عرفنا طبيعة الصراع الدولي القائم اليوم في سورية بين أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا والصين وحلفائها من جهة أخرى، لجهة إنهاء الهينة الأمريكية الأحادية الجانب على العالم، والاتفاق على قواعد جيوستراتيجية جديدة تعترف بتعدد القطبية وإعادة تقسيم النفوذ بين القوى المتصارعة.. وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكية حتى لو وصلت الأمور حافة الهاوية، وتتعامل باستعلاء وفجور سياسي اتجاه تحذيرات بوتن المتكررة والتي ذهب في إحداها حد التهديد بحرب نووية إقليمية.. ولعمري أن ما يحدث في كوريا اليوم هو تجسيد عملي لهذا التهديد. من هنا نفهم سبب فشل خيار التسوية السياسية للأزمة في سورية حتى الآن، ومن هنا مصدر الخوف بتفاقم الصراع وامتداده إلى كامل جغرافية الشرق الأوسط وربما آسيا كذلك.. الأكيد أن الخطط العسكرية قد تم تحديثها ووضعها على الطاولة في كلا المعسكرين، وساعة الإنفجار قد تكون خلال أسابيع قليلة.. إن لم يتم الإتفاق على مخرج جديد ومرضي لكل الأطراف.
كما أصبح من باب تحصيل حاصل اليوم، القول بأن المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية والسعودية والقطرية والأردنية… هي من كانت تدير لعبة القتل والتدمير الممنهج في سورية من خلال تدريبها، بمساعدة شركة “بلاك ووتر”، للإرهابيين في الأردن وتركية، بالإظافة لنشاطات التسليح وتسهيل دخول المقاتلين إلى الملعب السوري عبر الحدود التركية والأردنية واللبنانية.. كما أن السعودية وقطر هما من كانا يدفعان فواتير تسليح الإرهابيين، فيما تقوم جماعات سلفية مرتبطة بالمخابرات الأمريكية في آسيا وجماعات متطرفة تابعة لحكومات الربيع العربي في تونس وليبيا واليمن ومصر بالإضافة لدول خليجية وجماعات دعوية أوروبية بتوريد “المقاتلين” مقابل مبالغ مالية لـ “الجهاد” في سورية.. هذا أمر أصبح واضحا وموثقا في تقارير العديد من مراكز الدراسات و وسائل الإعلام الغربية قبل العربية.. لكن هذه الاستراتيجية فشلت وذهبت حوالي 120 مليار دولار سدى وتحولت أطنان من الأسلحة المصادرة إلى مغانم في مخازن الجيش العربي السوري..
كما تبين بالدليل القاطع، استنادا الى تقارير حصلت عليها صحيفة “المنار” المقدسية هذا الأسبوع من مصادر خاصة، وستنشر قريبا مقتطفات منها، أن جهاز الاستخبارات السعودية الذي يتحكم بقيادته بندر بن سلطان هو الذي يمول ويدعم ويوجه العصابة الارهابية الاجرامية المسماة بـ “جبهة النصرة” التي ترتكب جرائم بشعة ضد أبناء الشعب السوري من خلال ما تمارسه من قتل وتنكيل وتفجيرات. وتفيد ذات التقارير أن عديد الإرهابيين الذين ينتمون لهذه الجبهة كانوا معتقلين في السجون السعودية، وتم الافراج عنهم وارسالهم الى الأراضي السورية عبر تركيا والأردن ولبنان لسفك دماء السوريين خدمة لمصالح المتآمرين على الشعب السوري ودولته. وجاء في هذه التقارير كذلك، أن ضباطا من الاستخبارات السعودية يتواصلون مع هذه العصابة الارهابية عبر غرف عمليات خاصة مقامة على أراضي دول مجاورة لسوريا، حيث توفر الامدادات العسكرية والمالية لأفراد هذه المجموعات الاجرامية. وتضيف نفس التقارير أن الأهداف التي تسعى لتحقيقها العمليات التفجيرية الارهابية تتم بتوجيه من ضباط الاستخبارات السعودية المشرفين على متابعة جرائم جبهة النصرة الارهابية. وتذكر التقارير كذلك أن هناك مستشارين اسرائيليين وأمريكيين لقيادة الجهاز الاستخباري الذي يرأسه بندر بن سلطان في السعودية والذي تربطه علاقات عضوية مع الدوائر الأمنية والاستخبارية في واشنطن وتل أبيب. وبهذه الطريقة الغبية تقود المخابرات الأمريكية عمليات ‘القاعدة’ في سورية حتى لا تظهر في الصورة فيفتضح أمرها.
أما المقاتلين باختلاف أسمائهم وتشكيلاتهم وتلاوينهم والذين قدر عددهم منذ بداية الحرب بأزيد من 120.000، فقد رحل معظمهم إلى عالم السكون وهرب من هرب واستسلم من استسلم.. ولم يبقى إلا القليل.. وحتى “جبهة النصرة” التي لا زالت تسيطر على بعض الجيوب في الشمال والشمال الشرقي من سورية يأست من السعودية وبلغ بها الإفلاس، أمام هول الضربات، حد الإستنجاد بأيمن الظواهري، وهو ما يفسر مسارعتها لمبايعته عسى أن يمدها بالسلاح ومال المخدرات الحرام وجحافل المقاتلين المضللين بوهم الجهاد من أجل إقامة دولة الخلافة، ليرفعوا من معنوياتها المنهارة ويعيدون لها بعض من أسطورة أمجاد ‘القاعدة’ في أفغانستان والعراق. وهو ما يعني التركيز على الانتحاريين والسيارات المفخخة في المرحلة المقبلة بعد أن فقدوا السيطرة على الأرض وبدأت إماراتهم الظلامية تتساقط الواحدة تلو الأخرى… لكن الجيش العراقي مشط هذا الأسبوع منطقة الحدود مع سورية ووضع نقط رقابة قارة ومتنقلة في خطوة استباقية لإفشال هذا المخطط.
حصاد الوهم
مشروع إسقاط الرئيس بشار الأسد وصل مرحلة الإفلاس، ولا أمل يرجى لإحداث تغيير على الأرض.. المعارضة السياسية لا تمتلك مشروعا سياسيا ولا تمثيلا شرعيا ولا تدير خيوط اللعبة على الأرض.. فتحولت بالتالي إلى واجهة لبيع الوهم في صالونات الفنادق وغرف الإجتماعات بعواصم التآمر الفاشل على سورية. في تركيا صمت.. وفي إسرائيل خوف.. وفي العواصم العربية فزع.. وفي واشنطن قلق وارتباك… الكل مصدوم والجميع يتسائل: ما الذي حدث على الأرض؟…
ونحن بدورنا نتساءل : ما الذي حصل بالضبط؟.. وكيف استطاع جيش نظامي الانتصار على الإرهاب؟.. علما بأن حرب مطاردة الأشباح لا يمكن أن تكسبها أية قوة نظامية في هذا العالم مهما بلغ جبروتها، بما في ذلك الجيش السوفياتي السابق والأمريكي في أفغانستان ثم في العراق.. ففي الحروب الثلاثة كانت الهزيمة هي المحصلة النهائية.
المعلومات التي يتداولها الإعلام منذ ثلاث أسابيع أو أزيد قليلا حول سير المعارك في سورية، تؤشر إلى أن أمرا خارقا وغير عادي حدث ولا زال يحدث على الأرض.. لقد انتقلت الإستراتيجية العسكرية لدى النظام السوري من الدفاع وتحصين دمشق وبعض المواقع العسكرية الحساسة إلى الهجوم السريع، المكثف، والواسع في كل المناطق السورية من درعا وريفها إلى الغوطة الشرقية والغربية وريف دمشق وحلب وداريا وادلب وحمص وصولا إلى الحدود اللبنانية ومحاصرة فلول الارهابيين على بعد 35 كيلومترا من الحدود التركية في الشمال.. انقلبت الصورة رئسا على عقب ولم نعد نسمع عن تقدم “المقاتلين” ولا نزوح اللاجئين ولا انشقاق العسكر… هناك فقط هرولة وهروب لمن استطاع لذلك سبيلا، واستغاتة من قبل المحاصرين اليائسين.. منهم من سلم سلاحه واستسلم ومنهم من رحل إلى حيث لن يعود..
بيانات ما يسمى بالمعارضة أصبحت تتحدث فقط عن جحافل القتلى الذين يسقطون يوميا ويصفونهم بـ”المدنيين”… مخازن السلاح التي وردها حلف “الشيطان” للإرهابيين تم الاستيلاء عليها من قبل الجيش العربي السوري، لم يعد تجار الدم وسماسرة السلاح يجدون منفذا يلجأون من خلاله إلى التراب السوري.. والفضائيات تظهر في كل مرة مجموعات من الجيش العربي السوري تدخل الأحياء والأماكن التي كان يتحصن فيها الإرهابيون، فتنظفها ليعود السكان إليها آمنين.. هذا يعني أن سورية انتصرت أو على بعد أسابيع قليلة لحسم المعركة على الأرض.. لتتحقق توقعات الأسد وحزب الله وايران.
سر الإنتصار
آن الأوان لنقول ما لا يقال ونكشف عن اللغز الخفي ونبوح بسر الأسرار الذي يكمن وراء ما حصل.. إنه باختصار شديد: صراع بين “الخير” و “الشر”.. بين “جند السماء” و “شياطين الأرض”.. بين “كائنات شفافة” من نور و “أشباح” يتحركون في الظلام… وما ضربت إذ ضربت ولكن الله ضرب، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.. لذلك لا أحد يستطيع تصوير ما يجري لتوثيقه.. هناك فقط “ملائكة” تمر فتقبض أرواح أشباح الظلام، ثم يدخل الجيش العربي السوري لينظف المكان ويعلن المنطقة آمنة أمام كامرات الإعلام… هل تذكرون 7 أيار في لبنان؟.. ألم يكن الجيش اللبناني هو من يقتحم المكان ويستلم المقاتلين والسلاح من دون أن يطلق رصاصة واحدة؟… لكن الفرق في سورية أن لا وجود موثق لملائكة حزب الله وايران.. لأن أحدا لا يستطيع أن يرى الأرواح الشفافة لا في النور ولا في الظلام.. هناك فقط جثت جند الشيطان منتشرة كالفطر في كل مكان.. والجيش العربي السوري يحقق انتصارا بعد انتصار.. لم يعد ما هو حلال على محور الشر حرام على محور المقاومة.. وقديما قال الشاعر: وداوني بالتي كانت هي الداء.
ارهاصات النصر
سورية تصنع اليوم ملحمة جديدة سيكتبها التاريخ بمداد الفخر ويدرسها الطلبة في الجامعات لعقود قادمة.. الإبراهيمي قرر الإستقالة الخميس المقبل، وحتى لا يلعنه التاريخ كتب في تقريره عبارة تقول: “جامعة مشيخات الأعراب هي من تتحمل مسؤولية فشل الحل السياسي في سورية”.. فافهم يا أمم متحدة.. واشهد يا عالم.. وموتوا بغيضكم يا عربان.
أوباما طلب لقاء عاجلا مع دميته المسماة ‘بان كي مون’ أو بالأحرى “ﭘوكيمون” ليقول له أمام الصحافة: “الوضع في سورية وصل مرحلة حاسمة”.. ومعنى المعنى أن الأمم المتحدة هي من عليها تجرع مرارة الهزيمة لا أمريكا، لأن روسيا والصين اعترضتا على التدخل العسكري في الشام.. وكأن أمريكا وحلفائها كانوا بحاجة لقرار أممي من حرصهم على الشرعية والتزامهم بالقانون الدولي.. هل نصدق؟..
المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، أشار الجمعة 12/04/2013، إلى أن الرئيس أوباما “سيستقبل نظراءه من الإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن وتركيا في واشنطن خلال الأسابيع القليلة المقبلة لمناقشة مجموعة متنوعة من المواضيع؛ من بينها سوريا بالتأكيد”. مراقبون في واشنطن يعتقدون أن أوباما يرفض الإستسلام ويفضل الهروب إلى الأمام عبر تحضير تحالف عربي تركي اسرائيلي واسع، قد تنظم إليه مصر، لحسم الوضع في سورية وربما ايران… لا تأكيد حتى الآن.
الكونجريس الأمريكي استدعى السفير فورد على عجل ليطلع منه على حقيقة الأوضاع في سورية.. سأله أحد الأعضاء: “لقد كنت سفيرا في سورية والإدارة الأمريكية اعتمدت على التقارير التي كنت تبعث بها.. فما تفسيرك لما آل إليه الوضع هناك؟.. قال لهم: “أنا خبير اقتصادي ولست خبيرا عسكريا”.. رد عليه عضو الكونجريس: “إذا كنت خبيرا إقتصاديا ألم يكن أجدى بك أن تعمل محللا إقتصاديا في واشنطن بدل أن تشتغل سفيرا في سورية؟”.. هذه مهزلة.. هذا ما أوردته صحيفة الإندبندت أمس الجمعة 12/04/2013. ووفق ما تناقلته صحف أمريكية عدة، قال فورد للكونجرس عند سؤاله عن إمكانية تخلي بشار الأسد وحكومته عن السلطة في حال تهديده بالتدخل العسكري: “إن من يخشى من الموت سيقاتل حتى الموت”، وبالتالي لن يستسلم.. وفي بداية الحرب عندما طلبوا من الأسد التخلي عن السلطة مقابل اللجوء الآمن لإحدى الدول قال: “أنا سوري.. ولدت في سورية وسأموت في سورية”.. فهل كان هذا انتحار؟…
صحف أمريكية قالت قبل بداية هذا الأسبوع: أن “مسؤولين بالكنجرس اكتشفوا أن المعلومات التي كانت تبعث بها الحكومة التركية إلى الإدارة الأمريكية حول الوضع في سورية كانت مضللة، ولم تكن تعكس حقيقة ما يجري داخل المؤسسة العسكرية السورية”.. هذه فضيحة تؤكد أن واشنطة لا تشتغل وفق قاعدة “المعلومة الصحيحة أساس القرار السليم”.. بل تتعامل باستخفاف مع ما يصلها من معلومات وترتجل القرارات دون دراسة عقلانية عميقة ومتأنية.
عاد الحديث في واشنطن مجددا عن تدخل عسكري لحسم الأمور في سورية، وتذكر الصحف الأمريكية الصادرة الجمعة 12/04/2013، أن مجموعة من أعضاء الكونغريس (جمهوريين وديمقراطيين) ممثلين لمصالح الصناعة العسكرية الأمريكية يضغطون بقوة من أجل اتخاذ قرار يقضى بإعلان الحرب على سورية. تشاك هاغل، ورئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي، سيمثلون قريبا أما الكنجرس لإدلاء بإفاداتهم حول احتمالات إعلان الحرب على سورية، علما أن البانتاغون قام مؤخرا بتحديث خططه العسكرية… لا أحد يعلم الموقف الذي قد يتخده أوباما.. مراقبون يرون أن ضغوط الكونغرس في ولاية أوباما الثانية لا تعني أنه سينصاع لرغبة تجار السلاح.. لكنه حسما لن يقبل بالهزيمة في سورية.. من سيساعد أوباما إذن لينقذ ما تبقى من ماء وجهه؟.. ابحثوا عن اسرائيل التي ورطته.
مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية طلب عدم كشف اسمه علق قائلاً: “إن الفريق الأمني في البيت الأبيض على علم بالخطط الجديدة”، ولكنه شدد على انها لا تختلف كثيراً عن تلك التي سبق للرئاسة الأمريكية أن درستها، مضيفاً: “نقول منذ فترة طويلة إننا ندرس كل الخيارات الممكنة من أجل إنهاء العنف وتسريع الانتقال السياسي في سورية”.. هذا وهم وليس بحلم قابل للتحقيق.
وبحسب المصادر، فإن بين الخيارات المطروحة استخدام صواريخ “كروز” لضرب القدرات الجوية السورية، وكذلك استخدام الطائرات العسكرية الضخمة لنقل مساعدات إنسانية (؟؟؟)، وصولاً إلى إقامة منطقة عازلة داخل سورية.. لكنها خيارات قد تعترضها تحديات كبيرة عند التطبيق.
ديميس روس و روبرت فورد قالا لكونجريس ووسائل الإعلام الجمعة 12/04/2013، أن هناك إمكانية لخلق منطقة عازلة بعرض 50 ميل على طول الحدود السورية التركية.. وأنه ليس من الضروري أن تتدخل أمريكا بجيشها على الأرض في سورية، بل يمكنها الإعتماد على استراتيجية إطلاق صواريخ كروز من بوارجها بالبحر الأبيض المتوسط، لتدمير القدرة الصاروخية السورية والطيران الحربي.. السفير فورد (الإقتصادي الذي يتكلم في الإستراتيجيا العسكرية) أوضح للكونجرس أن الهدف هو حماية تركية والأردن وإسرائيل، ونسي أن يذكر السعودية وقطر. غير أن مراقبين يعتقدون أن مثل هذا الخيار سيفجر المنطقة بأسرها وسيعطي المبرر لسورية وإيران وحزب الله لضرب إسرائيل والقواعد الأمريكية في السعودية وقطر وتركيا ومنصات الباتريوت أينما وجدت في المنطقة.
هذه وقائع وأحداث تؤكد ما ذهبنا إليه من أن سورية وحلفائها انتصروا على الإرهاب وغيروا موازين القوة لغير صالح تحالف قوى الشر الغربية والعربية.. كما أنها تؤشر إلى سقوط الحل السياسي واتجاه الإدارة الأمريكية بضغط من لوبيات السلاح والكونجرس إلى اتخاذ قرار بخلق منطقة عازلة في الشمال السوري وضرب القدرات الصاروخية والطيران الحربي والمطارات السورية بصواريخ كروز من البوارج البحرية.. وهو قرار قد تدفع غاليا ثمنه أمريكا وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة.. الصورة لم تتضح بعد بالقدر الكافي وعلينا انتظار السبوع القادم لمعرفة اتجاهات الرياح وبوصلة القرار.. لكن ما يمكن أن نقوله في هذه المرحلة، هو أن أوباما سبق وأن اتخذ الأسبوع الماضي قرارا بتغيير الإستراتيجية وتحويلها إلى شرقي آسيا لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية، وهي التهديدات التي يقول المحللون العسكريون أنها جدية وقد تفاجأ كوريا الديموقراطية جارتها الجنوبية واليابان والقوات الأمريكية بحرب تستعمل فيها الأسلحة غير النووية، حتى لا تجر الصين وروسيا إلى أتون المعارك.. فتتورط الإدارة الأمريكية حتى أدنيها في مستنقع حرب قاتلة تنهي غطرستها وتمرغ كرامتها في التراب..
بانوراما الشرق الاوسط
لعبة الظلال والمرايا
خلال دردشة ودية على فنجان قهوة، سألني صديق يعمل دبلوماسيا في إحدى الدول الأوروبية عن رأيي فيما يجري في سورية.. فأجبت محاولا أن أتخذ موقف الحياد الإيجابي: “بسبب تسارع الأحداث وتعقيداتها وزحمة الأخبار وتحليلاتها اختلط علينا الأمر ولم نعد نعرف الحابل من النابل”. قال: “هل قرأت مسرحية “الشيطان و الله” (Le Diable et le Bon Dieu) لجون بول سارتر؟” قلت: “نعم”. قال: “وما رأيك؟”. قلت: “إنه الصراع الأزلي بين الخير والشر، والمسرحية تبدو كلعبة الظلال والمرايا.. فمن ينظر للصراع في الملعب السوري سيرى الأسد وكأنه ‘الشيطان’ الذي يقتل شعبه، والمعارضة هي ‘جند الله’ الذين يستشهدون دفاعا عن الخير وحق الشعب في العيش بحرية وكرامة.. أليست هذه هي الصورة التي يركز عليها الإعلام في الغرب؟.. لكنك إذا نظرت للصراع من خلال مرآة، فستكتشف الظلال الخفية المحركة للأزمة السورية برمتها.. وستظهر لك الحقائق معكوسة.. اليمين يسار واليسار يمين.. والأمور ليست كما تبدو ويصورها الإعلام المدفوع الأجر، بل هي حرب دولية بالوكالة تخوضها أطراف عدة في الملعب السوري لأهداف لا علاقة لها بالحرية والكرامة بل بالمصالح الجيوستراتيجية”. قال: “هذا واضح، لكن.. هل تعتقد أن الأسد سينتصر على الإرهاب؟”. قلت: “لا أعلم.. التاريخ يقول أنه لا يمكن الانتصار على الأشباح.. بدليل ما حدث في أفغانستان زمن الإحتلال السوفييتي والأمريكي وما حصل في العراق ولا يزال”. ابتسم.. دفع ثمن القهوة.. وقبل أن ينصرف، نصحني أن أسلط الضوء على الظلال لرؤية الأجسام الشفافة التي تصارع الأشباح في الظلام.
كيف انتصرت سورية فيما فشلت فيه أمريكا؟
باستثناء “فنجان القهوة” كل الحديث المذكور أعلاه، يدخل في باب الرموز والألغاز.. لكنه يلخص الحالة السورية من وجهة نظر معرفية غير متداولة في الإعلام.. كيف؟
بغض النظر عن من يمثل الشر ويحارب من أجل الشيطان، ومن يمثل الخير ويحارب من أجل الإله الصالح في سورية، هناك معطيات غائبة لا يتداولها الإعلام ولا يتناولها المحللون والكتاب، ذلك أن جلهم يكتفي بالبناء على المعلومة الإخبارية المتوفرة ليقدم خلاصته من وجهة نظر يغلب عليها الطابع الذاتي.. هذا معلوم ومفهوم، لكن مثل هذا المقترب لا ينتج معرفة عقلانية تفيد القارىء.. صحيح أن المعلومة تعتبر اليوم سلاحا حاسما سواء في السياسة أو الإدارة أو الإستراتيجيا العسكرية، ومن يملك المعلومة الصحيحة يستطيع أن يتخذ قرارا سليما يؤدي إلى نتائج إيجابية على الأرض، والعكس صحيح أيضا.. لكن ما العمل حين نكون أمام كم هائل من المعلومات ليس بينها معلومة واحدة توفر جوابا مفيدا حول حقيقة حرب الأشباح الدائرة اليوم في سورية؟..
وحتى لا نخلص إلى نتائج مجانبة للصواب، علينا أن ننطلق من مقدمات صحيحة، وفي الحالة السورية، المقدمة الوحيدة التي تفرض نفسها على المحلل العقلاني اليوم تتمثل في السؤال التالي: – كيف استطاع الأسد في غضون أسابيع قليلة لا تتجاوز عدد أصابع الكف الانتصار على الإرهاب.. فيما فشلت أمريكا في ذلك خلال أزيد من عقد من الزمن في افغانستان والعراق، برغم عديد جنودها وامكاناتها العسكرية والتكنولوجية والمخابراتية والمالية الهائلة وبرغم مساندة الحلفائها؟…
مفاتيح للفهم..
بالعودة إلى تصريحات الرئيس بشار الأسد، سواء تلك التي أدلى بها خلال تعيينه للحكومة السورية الجديدة بتاريخ 27/06/2012، أو تلك التي أدلى بها بمنسبة اجتماعه مع الوفد الأردني الذي زار دمشق بتاريخ 11/02/2013، أو تلك التي أدلى بها لصحيفة ‘الصنداي تايمز’ البريطانية بتاريخ 04/03/2013، نجدها جميعها تختزل الوضع في سورية في العبارة التالية: ” لن نتراجع عن ثوابتنا رغم «الضغوط والمؤامرات» وسوريا في حالة حرب حقيقية وستنتصر فيها”. والملفت أنه ركز في تصريحه لصحيفة ‘الصانداي تايمز’ بشكل خاص، على القول: “إن سورية على مفترق، وإن اللعب على هذا المفترق سيتسبب بتداعيات في عموم الشرق الاوسط”. هذه رؤية استراتيجية واضحة للصراع، تشمل سورية والمنطقة برمتها.
غير أن تصريحات الأسد لم تفهم كذلك، بل استهجنها الإعلام الغربي والخليجي وسخر منها، وذهب وزير الخارجية البريطاني ‘وليام هيغ’ في تعليقه على تصريح الأسد لصحيفة ‘الصنداي تايمز’ حد القول أن“الأسد يروج للأوهام”،معلقا بالعبارة التالية: ” أعتقد أن هذه المقابلة ستكون الأكثر بيعا للوهم من كل المقابلات التي أجراها رئيس دولة في هذا العصر”. وواضح أن الغرب كانت لديه قناعة، بل أستطيع القول “يقين”، بأن نظام بشار الأسد ذاهب إلى زوال ولو بعد حين.
حسنا، لنترك الأحكام القيمية على تصريحات بشار الأسد جانبا، ونبحث عن مصداق لكلامه في جهة ثانية.. بتاريخ 16/12/2012 قال السيد حسن نصر الله في خطاب له بمناسبة حفل التخريج الجامعي السنوي 26 ما مفاده: “إن المعارضة السورية لا يمكن أن تخرج منتصرة من الصراع المستمر منذ 21 شهراً، ومن يظن العكس فهو مخطىء”. ولنصر الله مجموعة تصريحات جائت في ثنايا خطابات عديدة ومناسبات مختلفة يمكن تلخيص أهمها في المقولات التالية: “سورية ستنتصر على الإرهاب التكفيري” و “من يعتقد أن بشار الأسد سيسقط فهو واهم.. واهم.. واهم حتى ينقطع النفس”. وفي إحدى خطبه نصح القاعدة بعدم السقوط في الكمين السوري الذي يتم استدراجها إليه من حيث لا تدري. هذه رؤية ثانية واضحة وضوح الشمس وتدعم رؤية الأسد لمآل الصراع في سورية، مع بعض التفصيل المختصر والمفيد الذي يوشي بأن هناك استراتيجية فعالة سيتم تنفيذها في الوقت المناسب لقلب الطاولة على المراهنين على الوهم.
أما إيران، فقد التزمت الصمت حيال ما يجري في سورية باستثناء بعض التصريحات العابرة التي تفيد أن “أمن سورية من أمن إيران” وأن “إيران لن تتخلى عن حليفتها سورية باعتبارها تمثل محور المقاومة في المنطقة”… هذه رسائل عامة لمن يهمه الأمر. وواضح أن إيران كانت تعمل في الخفاء وتفضل الديبلوماسية السرية على التصريحات العلنية. فقد بلغ بها الأمر حد تهديد تركيا بضربها عسكريا عند بداية الحديث عن إنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري قبل أشهر، حيث قال الموفد الإيراني للمسؤولين الأتراك وفق ما سربته جهات تركية للصحافة في حينه: “مقابل كل جندي تركي تطأ قدماه أرض سورية سيدخل 10 جنود ايرانيين إلى تركا”.. وصلت الرسالة فتعقلت تركيا وتراجعت عن حلمها المجنون.
لكن اللافت بل والمثير للإهتمام، هو تصريح مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان، الجمعة 12/04/2013، والذي حمل من خلاله الدول الغربية والعربية مسؤولية الدم الذي يراق في سورية، حيث قال: “إن الإرهابيين في سورية سوف ينتهون قريبا”، موضحا كلامه لمن لا يفهمون لغة الإشارة من خلال قوله بصريح العبارة: “إن الأوضاع الميدانية في سورية تتجه بحيث سيرى العالم قريبا هزيمة القوى الخارجية والإرهابيين في هذا البلد المهم في محور المقاومة”. مضيفا من باب وذكر فإن الذكرى تنفع…: “إن طهران تقف بقوة إلى جانب محور المقاومة”. هذا إخبار يفيد المرحلة المتقدمة التي حققتها استراتيجية محور المقاومة على الأرض، ويبشر بنهاية حتمية للإرهاب، ونتائج وخيمة للمراهنين عليه لحسم الصراع في سورية. كما أنه كلام كبير وخطير، وسنتطرق لترجمته بعد قليل، لتوضيح كيف تم تصريفه عمليا في الملعب السوري.
التصريحات التي أوردناها أعلاه هي كلام سياسي ثقيل يحمل في ظاهره معاني عامة قد لا يفهمها الكثير من الناس، بمن فيهم المسؤولين الغربيين كـ’وليام هيغ’، بالإضافة لبعض العرب كـ’بندر بن سلطان’ وأمير مشيخة قطر ووزير خارجيته وغيرهم كثير.. لكن في طيات هذا الكلام رسائل مشفرة وصلت لأصحابها وفهموا جيدا فحواها، ونقصد بذلك الإدارة الأمريكية. بدليل ما قاله مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية الجمعة 12/04/2013 حول ايران جاء فيه: إن “ايران تلعب دورا خبيثا في سورية”.
وخلاصة ما نريد أن نصل إليه هو: إذا كان تصريح الأسد يمكن تصنيفه في إطار الحرب النفسية كما يعتقد الغرب وأدواته، فإن تصريح السيد حسن نصر الله لا يمكن أن يعتبر كذلك، بدليل أن هذا الرجل لم يعۆد أعدائه على التصريحات المتناقضة والجوفاء، وأثبت للعالم كله صدق كلامه وقوة فراسته وأنه رجل استراتيجي من العيار النادر، الأمر الذي أكسبه من المصداقية ما جعل أعدائه يصدقونه قبل أصدقائه.. وهذا لعمري كرامة وعزة من عند الله تعالى يهبها لأوليائه المخلصين فقط. وبالتالي، فمن يصدق السيد حسن نصر الله لا يمكن أن يكذب الأسد ولا علي خامنائي أو أحمدي نجاد أو غيرهم من المسؤولين في محور المقاومة… لأن الأمر يتعلق بتحالف مؤمن بربه وقضياه العادلة، قوي برجاله وعتاده ومعرفته، منسجم مع نفسه، ملتزم بالدفاع عن وجوده وقضايا أمته وعلى رأسها فلسطين المغتصبة.. محور يمتلك رؤية للصراع، له استراتيجية واضحة المعالم، وخطط عملية سرية لا يعلمها إلا الله.
أطراف الصراع و أهدافه و أدواته
لقد أصبح واضحا اليوم للجميع، أن من يدير اللعبة برمتها في الملعب السوري هي الإدارة الأمريكية بمساعدة أدواتها الإقليمية سواء من أوروبا كفرنسا وبريطانيا أو من منطقة الشرق الأوسط كالسعودية وقطر وتركية والأردن من بين دول أخرى لها أدوار محدودة تكاد لا ترى إلا عند التركيز على الصورة الكاملة. وفي الجهة المقابلة، هناك سورية وحلفائها الإقليميين كإيران وحزب الله، والدوليين كروسيا والصين.
أما الهدف المعلن فيتمثل في إسقاط نظام الأسد بأي ثمن حتى لو أدى الأمر ليس إلى تدمير سورية الدولة والكيان فقط، بل وانفجار المنطقة برمتها.. ونحن لا نبالغ إذا عرفنا طبيعة الصراع الدولي القائم اليوم في سورية بين أمريكا وحلفائها من جهة وروسيا والصين وحلفائها من جهة أخرى، لجهة إنهاء الهينة الأمريكية الأحادية الجانب على العالم، والاتفاق على قواعد جيوستراتيجية جديدة تعترف بتعدد القطبية وإعادة تقسيم النفوذ بين القوى المتصارعة.. وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكية حتى لو وصلت الأمور حافة الهاوية، وتتعامل باستعلاء وفجور سياسي اتجاه تحذيرات بوتن المتكررة والتي ذهب في إحداها حد التهديد بحرب نووية إقليمية.. ولعمري أن ما يحدث في كوريا اليوم هو تجسيد عملي لهذا التهديد. من هنا نفهم سبب فشل خيار التسوية السياسية للأزمة في سورية حتى الآن، ومن هنا مصدر الخوف بتفاقم الصراع وامتداده إلى كامل جغرافية الشرق الأوسط وربما آسيا كذلك.. الأكيد أن الخطط العسكرية قد تم تحديثها ووضعها على الطاولة في كلا المعسكرين، وساعة الإنفجار قد تكون خلال أسابيع قليلة.. إن لم يتم الإتفاق على مخرج جديد ومرضي لكل الأطراف.
كما أصبح من باب تحصيل حاصل اليوم، القول بأن المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية والسعودية والقطرية والأردنية… هي من كانت تدير لعبة القتل والتدمير الممنهج في سورية من خلال تدريبها، بمساعدة شركة “بلاك ووتر”، للإرهابيين في الأردن وتركية، بالإظافة لنشاطات التسليح وتسهيل دخول المقاتلين إلى الملعب السوري عبر الحدود التركية والأردنية واللبنانية.. كما أن السعودية وقطر هما من كانا يدفعان فواتير تسليح الإرهابيين، فيما تقوم جماعات سلفية مرتبطة بالمخابرات الأمريكية في آسيا وجماعات متطرفة تابعة لحكومات الربيع العربي في تونس وليبيا واليمن ومصر بالإضافة لدول خليجية وجماعات دعوية أوروبية بتوريد “المقاتلين” مقابل مبالغ مالية لـ “الجهاد” في سورية.. هذا أمر أصبح واضحا وموثقا في تقارير العديد من مراكز الدراسات و وسائل الإعلام الغربية قبل العربية.. لكن هذه الاستراتيجية فشلت وذهبت حوالي 120 مليار دولار سدى وتحولت أطنان من الأسلحة المصادرة إلى مغانم في مخازن الجيش العربي السوري..
كما تبين بالدليل القاطع، استنادا الى تقارير حصلت عليها صحيفة “المنار” المقدسية هذا الأسبوع من مصادر خاصة، وستنشر قريبا مقتطفات منها، أن جهاز الاستخبارات السعودية الذي يتحكم بقيادته بندر بن سلطان هو الذي يمول ويدعم ويوجه العصابة الارهابية الاجرامية المسماة بـ “جبهة النصرة” التي ترتكب جرائم بشعة ضد أبناء الشعب السوري من خلال ما تمارسه من قتل وتنكيل وتفجيرات. وتفيد ذات التقارير أن عديد الإرهابيين الذين ينتمون لهذه الجبهة كانوا معتقلين في السجون السعودية، وتم الافراج عنهم وارسالهم الى الأراضي السورية عبر تركيا والأردن ولبنان لسفك دماء السوريين خدمة لمصالح المتآمرين على الشعب السوري ودولته. وجاء في هذه التقارير كذلك، أن ضباطا من الاستخبارات السعودية يتواصلون مع هذه العصابة الارهابية عبر غرف عمليات خاصة مقامة على أراضي دول مجاورة لسوريا، حيث توفر الامدادات العسكرية والمالية لأفراد هذه المجموعات الاجرامية. وتضيف نفس التقارير أن الأهداف التي تسعى لتحقيقها العمليات التفجيرية الارهابية تتم بتوجيه من ضباط الاستخبارات السعودية المشرفين على متابعة جرائم جبهة النصرة الارهابية. وتذكر التقارير كذلك أن هناك مستشارين اسرائيليين وأمريكيين لقيادة الجهاز الاستخباري الذي يرأسه بندر بن سلطان في السعودية والذي تربطه علاقات عضوية مع الدوائر الأمنية والاستخبارية في واشنطن وتل أبيب. وبهذه الطريقة الغبية تقود المخابرات الأمريكية عمليات ‘القاعدة’ في سورية حتى لا تظهر في الصورة فيفتضح أمرها.
أما المقاتلين باختلاف أسمائهم وتشكيلاتهم وتلاوينهم والذين قدر عددهم منذ بداية الحرب بأزيد من 120.000، فقد رحل معظمهم إلى عالم السكون وهرب من هرب واستسلم من استسلم.. ولم يبقى إلا القليل.. وحتى “جبهة النصرة” التي لا زالت تسيطر على بعض الجيوب في الشمال والشمال الشرقي من سورية يأست من السعودية وبلغ بها الإفلاس، أمام هول الضربات، حد الإستنجاد بأيمن الظواهري، وهو ما يفسر مسارعتها لمبايعته عسى أن يمدها بالسلاح ومال المخدرات الحرام وجحافل المقاتلين المضللين بوهم الجهاد من أجل إقامة دولة الخلافة، ليرفعوا من معنوياتها المنهارة ويعيدون لها بعض من أسطورة أمجاد ‘القاعدة’ في أفغانستان والعراق. وهو ما يعني التركيز على الانتحاريين والسيارات المفخخة في المرحلة المقبلة بعد أن فقدوا السيطرة على الأرض وبدأت إماراتهم الظلامية تتساقط الواحدة تلو الأخرى… لكن الجيش العراقي مشط هذا الأسبوع منطقة الحدود مع سورية ووضع نقط رقابة قارة ومتنقلة في خطوة استباقية لإفشال هذا المخطط.
حصاد الوهم
مشروع إسقاط الرئيس بشار الأسد وصل مرحلة الإفلاس، ولا أمل يرجى لإحداث تغيير على الأرض.. المعارضة السياسية لا تمتلك مشروعا سياسيا ولا تمثيلا شرعيا ولا تدير خيوط اللعبة على الأرض.. فتحولت بالتالي إلى واجهة لبيع الوهم في صالونات الفنادق وغرف الإجتماعات بعواصم التآمر الفاشل على سورية. في تركيا صمت.. وفي إسرائيل خوف.. وفي العواصم العربية فزع.. وفي واشنطن قلق وارتباك… الكل مصدوم والجميع يتسائل: ما الذي حدث على الأرض؟…
ونحن بدورنا نتساءل : ما الذي حصل بالضبط؟.. وكيف استطاع جيش نظامي الانتصار على الإرهاب؟.. علما بأن حرب مطاردة الأشباح لا يمكن أن تكسبها أية قوة نظامية في هذا العالم مهما بلغ جبروتها، بما في ذلك الجيش السوفياتي السابق والأمريكي في أفغانستان ثم في العراق.. ففي الحروب الثلاثة كانت الهزيمة هي المحصلة النهائية.
المعلومات التي يتداولها الإعلام منذ ثلاث أسابيع أو أزيد قليلا حول سير المعارك في سورية، تؤشر إلى أن أمرا خارقا وغير عادي حدث ولا زال يحدث على الأرض.. لقد انتقلت الإستراتيجية العسكرية لدى النظام السوري من الدفاع وتحصين دمشق وبعض المواقع العسكرية الحساسة إلى الهجوم السريع، المكثف، والواسع في كل المناطق السورية من درعا وريفها إلى الغوطة الشرقية والغربية وريف دمشق وحلب وداريا وادلب وحمص وصولا إلى الحدود اللبنانية ومحاصرة فلول الارهابيين على بعد 35 كيلومترا من الحدود التركية في الشمال.. انقلبت الصورة رئسا على عقب ولم نعد نسمع عن تقدم “المقاتلين” ولا نزوح اللاجئين ولا انشقاق العسكر… هناك فقط هرولة وهروب لمن استطاع لذلك سبيلا، واستغاتة من قبل المحاصرين اليائسين.. منهم من سلم سلاحه واستسلم ومنهم من رحل إلى حيث لن يعود..
بيانات ما يسمى بالمعارضة أصبحت تتحدث فقط عن جحافل القتلى الذين يسقطون يوميا ويصفونهم بـ”المدنيين”… مخازن السلاح التي وردها حلف “الشيطان” للإرهابيين تم الاستيلاء عليها من قبل الجيش العربي السوري، لم يعد تجار الدم وسماسرة السلاح يجدون منفذا يلجأون من خلاله إلى التراب السوري.. والفضائيات تظهر في كل مرة مجموعات من الجيش العربي السوري تدخل الأحياء والأماكن التي كان يتحصن فيها الإرهابيون، فتنظفها ليعود السكان إليها آمنين.. هذا يعني أن سورية انتصرت أو على بعد أسابيع قليلة لحسم المعركة على الأرض.. لتتحقق توقعات الأسد وحزب الله وايران.
سر الإنتصار
آن الأوان لنقول ما لا يقال ونكشف عن اللغز الخفي ونبوح بسر الأسرار الذي يكمن وراء ما حصل.. إنه باختصار شديد: صراع بين “الخير” و “الشر”.. بين “جند السماء” و “شياطين الأرض”.. بين “كائنات شفافة” من نور و “أشباح” يتحركون في الظلام… وما ضربت إذ ضربت ولكن الله ضرب، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.. لذلك لا أحد يستطيع تصوير ما يجري لتوثيقه.. هناك فقط “ملائكة” تمر فتقبض أرواح أشباح الظلام، ثم يدخل الجيش العربي السوري لينظف المكان ويعلن المنطقة آمنة أمام كامرات الإعلام… هل تذكرون 7 أيار في لبنان؟.. ألم يكن الجيش اللبناني هو من يقتحم المكان ويستلم المقاتلين والسلاح من دون أن يطلق رصاصة واحدة؟… لكن الفرق في سورية أن لا وجود موثق لملائكة حزب الله وايران.. لأن أحدا لا يستطيع أن يرى الأرواح الشفافة لا في النور ولا في الظلام.. هناك فقط جثت جند الشيطان منتشرة كالفطر في كل مكان.. والجيش العربي السوري يحقق انتصارا بعد انتصار.. لم يعد ما هو حلال على محور الشر حرام على محور المقاومة.. وقديما قال الشاعر: وداوني بالتي كانت هي الداء.
ارهاصات النصر
سورية تصنع اليوم ملحمة جديدة سيكتبها التاريخ بمداد الفخر ويدرسها الطلبة في الجامعات لعقود قادمة.. الإبراهيمي قرر الإستقالة الخميس المقبل، وحتى لا يلعنه التاريخ كتب في تقريره عبارة تقول: “جامعة مشيخات الأعراب هي من تتحمل مسؤولية فشل الحل السياسي في سورية”.. فافهم يا أمم متحدة.. واشهد يا عالم.. وموتوا بغيضكم يا عربان.
أوباما طلب لقاء عاجلا مع دميته المسماة ‘بان كي مون’ أو بالأحرى “ﭘوكيمون” ليقول له أمام الصحافة: “الوضع في سورية وصل مرحلة حاسمة”.. ومعنى المعنى أن الأمم المتحدة هي من عليها تجرع مرارة الهزيمة لا أمريكا، لأن روسيا والصين اعترضتا على التدخل العسكري في الشام.. وكأن أمريكا وحلفائها كانوا بحاجة لقرار أممي من حرصهم على الشرعية والتزامهم بالقانون الدولي.. هل نصدق؟..
المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، أشار الجمعة 12/04/2013، إلى أن الرئيس أوباما “سيستقبل نظراءه من الإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن وتركيا في واشنطن خلال الأسابيع القليلة المقبلة لمناقشة مجموعة متنوعة من المواضيع؛ من بينها سوريا بالتأكيد”. مراقبون في واشنطن يعتقدون أن أوباما يرفض الإستسلام ويفضل الهروب إلى الأمام عبر تحضير تحالف عربي تركي اسرائيلي واسع، قد تنظم إليه مصر، لحسم الوضع في سورية وربما ايران… لا تأكيد حتى الآن.
الكونجريس الأمريكي استدعى السفير فورد على عجل ليطلع منه على حقيقة الأوضاع في سورية.. سأله أحد الأعضاء: “لقد كنت سفيرا في سورية والإدارة الأمريكية اعتمدت على التقارير التي كنت تبعث بها.. فما تفسيرك لما آل إليه الوضع هناك؟.. قال لهم: “أنا خبير اقتصادي ولست خبيرا عسكريا”.. رد عليه عضو الكونجريس: “إذا كنت خبيرا إقتصاديا ألم يكن أجدى بك أن تعمل محللا إقتصاديا في واشنطن بدل أن تشتغل سفيرا في سورية؟”.. هذه مهزلة.. هذا ما أوردته صحيفة الإندبندت أمس الجمعة 12/04/2013. ووفق ما تناقلته صحف أمريكية عدة، قال فورد للكونجرس عند سؤاله عن إمكانية تخلي بشار الأسد وحكومته عن السلطة في حال تهديده بالتدخل العسكري: “إن من يخشى من الموت سيقاتل حتى الموت”، وبالتالي لن يستسلم.. وفي بداية الحرب عندما طلبوا من الأسد التخلي عن السلطة مقابل اللجوء الآمن لإحدى الدول قال: “أنا سوري.. ولدت في سورية وسأموت في سورية”.. فهل كان هذا انتحار؟…
صحف أمريكية قالت قبل بداية هذا الأسبوع: أن “مسؤولين بالكنجرس اكتشفوا أن المعلومات التي كانت تبعث بها الحكومة التركية إلى الإدارة الأمريكية حول الوضع في سورية كانت مضللة، ولم تكن تعكس حقيقة ما يجري داخل المؤسسة العسكرية السورية”.. هذه فضيحة تؤكد أن واشنطة لا تشتغل وفق قاعدة “المعلومة الصحيحة أساس القرار السليم”.. بل تتعامل باستخفاف مع ما يصلها من معلومات وترتجل القرارات دون دراسة عقلانية عميقة ومتأنية.
عاد الحديث في واشنطن مجددا عن تدخل عسكري لحسم الأمور في سورية، وتذكر الصحف الأمريكية الصادرة الجمعة 12/04/2013، أن مجموعة من أعضاء الكونغريس (جمهوريين وديمقراطيين) ممثلين لمصالح الصناعة العسكرية الأمريكية يضغطون بقوة من أجل اتخاذ قرار يقضى بإعلان الحرب على سورية. تشاك هاغل، ورئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي، سيمثلون قريبا أما الكنجرس لإدلاء بإفاداتهم حول احتمالات إعلان الحرب على سورية، علما أن البانتاغون قام مؤخرا بتحديث خططه العسكرية… لا أحد يعلم الموقف الذي قد يتخده أوباما.. مراقبون يرون أن ضغوط الكونغرس في ولاية أوباما الثانية لا تعني أنه سينصاع لرغبة تجار السلاح.. لكنه حسما لن يقبل بالهزيمة في سورية.. من سيساعد أوباما إذن لينقذ ما تبقى من ماء وجهه؟.. ابحثوا عن اسرائيل التي ورطته.
مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية طلب عدم كشف اسمه علق قائلاً: “إن الفريق الأمني في البيت الأبيض على علم بالخطط الجديدة”، ولكنه شدد على انها لا تختلف كثيراً عن تلك التي سبق للرئاسة الأمريكية أن درستها، مضيفاً: “نقول منذ فترة طويلة إننا ندرس كل الخيارات الممكنة من أجل إنهاء العنف وتسريع الانتقال السياسي في سورية”.. هذا وهم وليس بحلم قابل للتحقيق.
وبحسب المصادر، فإن بين الخيارات المطروحة استخدام صواريخ “كروز” لضرب القدرات الجوية السورية، وكذلك استخدام الطائرات العسكرية الضخمة لنقل مساعدات إنسانية (؟؟؟)، وصولاً إلى إقامة منطقة عازلة داخل سورية.. لكنها خيارات قد تعترضها تحديات كبيرة عند التطبيق.
ديميس روس و روبرت فورد قالا لكونجريس ووسائل الإعلام الجمعة 12/04/2013، أن هناك إمكانية لخلق منطقة عازلة بعرض 50 ميل على طول الحدود السورية التركية.. وأنه ليس من الضروري أن تتدخل أمريكا بجيشها على الأرض في سورية، بل يمكنها الإعتماد على استراتيجية إطلاق صواريخ كروز من بوارجها بالبحر الأبيض المتوسط، لتدمير القدرة الصاروخية السورية والطيران الحربي.. السفير فورد (الإقتصادي الذي يتكلم في الإستراتيجيا العسكرية) أوضح للكونجرس أن الهدف هو حماية تركية والأردن وإسرائيل، ونسي أن يذكر السعودية وقطر. غير أن مراقبين يعتقدون أن مثل هذا الخيار سيفجر المنطقة بأسرها وسيعطي المبرر لسورية وإيران وحزب الله لضرب إسرائيل والقواعد الأمريكية في السعودية وقطر وتركيا ومنصات الباتريوت أينما وجدت في المنطقة.
هذه وقائع وأحداث تؤكد ما ذهبنا إليه من أن سورية وحلفائها انتصروا على الإرهاب وغيروا موازين القوة لغير صالح تحالف قوى الشر الغربية والعربية.. كما أنها تؤشر إلى سقوط الحل السياسي واتجاه الإدارة الأمريكية بضغط من لوبيات السلاح والكونجرس إلى اتخاذ قرار بخلق منطقة عازلة في الشمال السوري وضرب القدرات الصاروخية والطيران الحربي والمطارات السورية بصواريخ كروز من البوارج البحرية.. وهو قرار قد تدفع غاليا ثمنه أمريكا وإسرائيل وأدواتهما في المنطقة.. الصورة لم تتضح بعد بالقدر الكافي وعلينا انتظار السبوع القادم لمعرفة اتجاهات الرياح وبوصلة القرار.. لكن ما يمكن أن نقوله في هذه المرحلة، هو أن أوباما سبق وأن اتخذ الأسبوع الماضي قرارا بتغيير الإستراتيجية وتحويلها إلى شرقي آسيا لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية، وهي التهديدات التي يقول المحللون العسكريون أنها جدية وقد تفاجأ كوريا الديموقراطية جارتها الجنوبية واليابان والقوات الأمريكية بحرب تستعمل فيها الأسلحة غير النووية، حتى لا تجر الصين وروسيا إلى أتون المعارك.. فتتورط الإدارة الأمريكية حتى أدنيها في مستنقع حرب قاتلة تنهي غطرستها وتمرغ كرامتها في التراب..
بانوراما الشرق الاوسط