Quantcast
Channel: Respect: SALAM ALQUDS ALAYKUM – سلام القدس عليكم
Viewing all articles
Browse latest Browse all 27504

من مسرح عرائس الثورة .. ثوار جحا وخالصة

$
0
0

 

بقلم نارام سرجون

أعياني البحث عن الله منذ طفولتي وأخذتني رحلتي الى شواطئ كثيرة وعوالم الأديان والفلاسفة .. في البحث عن الله ستفاجأ في الطريق الى الله أنك تجد الانسان وتتعرف اكثر على الانسان ..

الغوص في مجهول الله يعرفك أكثر على الانسان والنفس والروح .. قد تصل وقد لاتصل .. ورغم أنك قد لاتصل الى لقاء الله وجها لوجه ولاتصافح الملكوت الأعلى لكنك تعرف العقل البشري وضعفه وعبقريته ومنصاته الجبارة نحو تحدي الوجود بالأسئلة التي ان سكبت على الشمس أطفأتها..هذه الرحلة الشاقة اللذيذة في الفلسفة والوجود حببت الي أيضا طرح الأسئلة الصعبة حول كل شيء حولي وجعلتني أبحث في قرءاة الأشياء ليس عن الجواب .. بل فن اكتشاف السؤال الصحيح .. قد يبدو ذلك غريبا .. لكن المعرفة الرائعة تنطلق من منصات أسئلة رائعة قلبها شجاع ويكفي التأمل فيها ولمس جدرانها الصقيلة لايصالك الى ادراك الجواب وقلبه .. اذا لم تسأل السؤال الصحيح فلا يهم ان كان جواب سؤالك صحيحا لأنه يجيب على سؤال خاطئ .. السؤال الذي لايضر ولاينفع لن يعطي جوابا ينفع .. والأسئلة التي لاتقاتل ولاتشاكس لاتفتح أسوار الحقيقة .. فابحث عن السؤال القوي ذي القلب الشجاع .. لأن باب الحقيقة لاتفتحه الا أسئلة تسفك دم حراسه .. ولاينير قلب الحقيقة الا سؤال له قلب الشمس

صار لزاما علينا اليوم في هذا الشرق أن نطلق سراح الأسئلة المقاتلة المسلحة التي تسخر من التقاليد ومن القناعات التي ترتدي الطرابيش في زمن بلا طرابيش .. والتي لاتحترم مشاعر البلهاء ولامشاعر الذين يقدسون القيم الثورية التي تعفنت في المستودعات الثقافية دون تهوية وتجديد .. أسئلة لاتحترم قيم القانون وحقوق الانسان المفصلة على مقاس جان جاك روسو وودرو ويلسون وليس على مقاس هذا الشرق الذي قتله آل عثمان أجداد اردوغان كما يحاول أردوغان واخوانه المصريون ان يفعلوا بمصر الآن .. في بعض الأسئلة رنين الحقيقة مثل:

هل الثقافة العربية هي ثقافة نفاق وعبودية تستأسد عندما تنفلت؟ هل تحتاج ثقافتنا الى لقاح ضد النفاق والكذب؟ هل يحتاج الاسلام الى اعادة أسلمة شاملة بعد أن مرض بالمال والنفط؟ وهل يجب ان يدخل الاسلام الى المدرسة ليتعلم حروف الهجاء بعد أن تعلم العزف بالسكاكين على الأعناق؟ وبعد أن تعلم أناشيد النفاق والكذب وتعلم اللعب بالجهاد حتى أدخله فروج النساء؟ أين يجب أن نطلق النار ..على الرياض أم على تل أبيب؟ بمعنى أين هو رأس التنين الشرير في المنطقة وأين قلبه الذي يضخ له الحياة؟ أنطعن القلب أم نضرب الرأس؟ ماالفرق بين حزب كاديما الاسرائيلي وفريق 14 آذار اللبناني؟ وماالفرق بين 14 آذار اللبناني الشهير و14 آذار السوري (الائتلاف المعارض) و14 آذار المصري (الاخوان المسلمون المصريون)؟ كل هؤلاء الآذاريين معارضات مرتبطة بالخارج .. وكلهم يستقوون بالغرب وبسفراء الغرب .. وكلهم مرتبطون بدول نفطية .. وكلهم لايحيدون عن تعاليم اسرائيل المقدسة ويعملون على تقسيم بلدانهم بحجة ان لهم وجهة نظر شرعية لاتفاوض ولاتحاور الا من أجل استلام السلطة .. حتى لو كلف ذلك حربا أهلية .. وتهاجم الجيوش الوطنية وتصر على تدميرها بحجة الديمقراطية والشرعية والحرية ..

تذكرت هذه الاسئلة وأنا أشاهد أحد المعارضين السوريين اللوذعيين في مقابلة عن الثورة والحرية .. والفاجعة أنه كان وزيرا للثقافة في سورية .. وهو رياض نعسان آغا .. الكارثة أن الرجل أفلح في حديثه في اثبات أن الدولة السورية كانت منخورة بشكل فظيع لكي يصل رجل مجوف ومنخور كهذا الى أهم موقع على الاطلاق في بلد ناهض .. ألا وهو وزارة الثقافة .. وزارة الثقافة في بلدان تعاني من نقص الثقافة وتعفنها في الصندوق العثماني أربعة قرون هي أهم من كل وزارات الدولة وهي التي يفترض ان تحرك بمحركاتها كل وزارات الدولة الرئيسية من اعلام وتربية وتعليم عالي ودفاع وخارجية .. لأن المجتمع الذي تنتجه الثقافة وينتجها هو الذي يغذي الوزارات بعناصرها وكفاءاتها وعقائديتها .. أي أن وزارة الثقافة هي التي تعيد انتاج الثقافة الشاملة للمجتمع وتتدخل في برامج تحريك ركود المجتمع والفكر وتتدخل ايجابيا في السياسة الاعلامية والتربوية والدفاعية وغيرها وتقوم بمراقبة منتجات هذه الوزارات وتجري مراجعات على منتجاتها لأن الثقافة هي القاطرة التي تحرك قطار النهضة وليس الاعلام والتعليم والتربية سوى العجلات والسكة التي يسير عليها القطار بقاطراته ..

فوجئت جدا لأن من كان وزيرا للثقافة كان كأنه رجل مقهى يدخن الشيشة ويتحدث عن قصص ونوادر وحكايات الحارات الشعبية وغابت الثقافة عن لسانه وكان مضيفه يدغدغ بطولاته ويثني عليها كما يثني رواد المقهى على حكواتي بطربوش يروي سيرة عنترة والزير .. والأكثر فجائعية أن رياض نعسان آغا نبّه المشاهدين الى أن كثيرين سيكرهونه على حديثه ولكن لم ينتبه الى أن كثيرين لن يجدوا سببا لكراهيته بل سيجدون ألف سبب لاحتقاره واحتقار ثقافته الرثة التي رأت في عنف الثورة فخا من صنع النظام .. ولم ينتبه الوزير الى أن كثيرين سيحسون بالشفقة على الثقافة وعليه وهو يروي تحليله ورؤاه الثورية التي غاب عنها جهاد النكاح والمجاهدون الشيشان والأفغان وأكلة لحم البشر والتمترس في المشافي والمدارس التي صارت تعلم الأطفال قطع الرؤوس .. وغابت كل أجهزة المخابرات التركية والسعودية والفرنسية حتى أنه أقسم يمينا عظيما على أن الثورة هي التي تواجه مؤامرة كونية لا النظام السوري بدليل تلكؤ اوباما بالتدخل الجدي لصالح الثورة .. والأهم ان كثيرين سيعرفون أن أهم انجاز للثورة هو فتح صناديق الثقافة الموصدة لنعرف أننا كنا نخزن العفونة والفطر وغبار الصدأ في عقول بعض المثقفين .. فأهم مايكتشفه الانسان في حديث وزير الثقافة الثائر أنه شخص تافه للغاية وأن النظام السوري كان يلمعه لنا ويشمعه باسم مثقف وكان من الممكن أن يكون مراقب كراجات العباسيين وليس قائدا لحركة ثقافية في دولة تحتاج ثورة ثقافية .. ويكتشف المستمع اليه أنه جدير بأن يكتب مذكراته باسم (مذكرات منافق لئيم) .. وأنا هنا بالفعل لاأريد اهانته ولاالاعتداء على آرائه التي كانت تحكي عن فساد دولة كنا كلنا نسمع به وهو بذكره لم يخترع العجلة بشهادته الخطيرة .. ولكن الرجل كان يباهي من حيث لايدري أنه كان ينافق السلطة والقيادة على طريقة وليد جنبلاط وبنفس طريقة التقية السياسية .. فالرجل المثقف ووزير الثقافة السوري الأسبق أقر أنه كان يجلس مع الأسد الأب بالساعات ويحاوره وأن الأسد أكرمه بالثقة به وباستضافته له في جلسات خاصة طويلة .. ومع هذا لم يذكر المثقف الذي قرأ عن قصص الوفاء بكلمة عرفان ولم ينصفه بشجاعة الفرسان .. بل كان يمالئه وينافقه حتى خرج من عباءته وصدق فيه قول ان أنت أكرمت اللئيم تمردا .. ولم يقل لنا الوزير الثائر لم كان صامتا عن "الديكتاتور" سنوات طويلة ولم يعتذر لأي سبب عن العمل مستشارا للأسد الديكتاتور ولم يضع شروطا لقبوله الوزارة الى أن سمع بالثورة القطرية التركية في سورية ففر بجلده كما يفر الجبناء .. هل كان يخشى العقاب؟ ثقافة الخوف ياسادة ليست ثقافة ولاتليق بوزير للثقافة لأنها أم النفاق طبعا ..وأم اللؤم والكراهية ..ومدعاة للاحتقار والازدراء ..

الرجل فجعنا جميعا وهو يقدم نفسه على مسرح عرائس الثورة واعترف أنه لم يكن يجرؤ على التعبير عن رأيه بل كان يعمد لأن يقول آراءه بشكل هزلي كوميدي ليضحك "الوالي" وليتجنب غضب السلطة والباب العالي .. حاول وزير الثقافة أن يقدم نفسه وهو يمرر دعاباته واعتراضاته مستلهما على مايبدو قصص ابي نواس الذي يقال انه كان يتغطى بالدعابة لتمرير آرائه عند هارون الرشيد .. أو ربما كان مغرما بدور حجا الذي كان يتصنع السذاجة ليضحك تيمورلنك ويرضى عنه .. ولكن جحا لم يكن وزيرا للثقافة عند تيمورلنك .. وأبا نواس لم يكن وزيرا للثقافة في بلاط هارون الرشيد بل كان من منادميه وشعرائه .. ولم يعلن الثورة لدى حكم ولده المأمون .. أما نحن فقد كان جحا وزيرا للثقافة عندنا .. واسمه جحا نعسان آغا ..الذي يهرج ويعربش على الحيطان ليرضى عنه السلطان والوزراء ..

وفتح لنا "جحا نعسان آغا" صندوق الثقافة الشرقية الأسود .. وذهلت عندما حدثنا كيف قال موجها كلامه مداعبا (كعادة جحا) أحد رجال السلطة الذي وصفه وزير الثقافة بصفة طائفته وقال له (حكمتونا أربعين عاما ولامانع من أن نحكمكم بضع سنين) !! .. في صندوق جحا الأسود شعور وزير للثقافة بحدود الطوائف ودرجاتها وحراراتها الايمانية وليس بحدود الوطن ولاالثقافات .. اي ان الوطن تتداوله الطوائف وليس الأحزاب الوطنية .. ولايرى في شخصيات الوطن الا عباءاتها الدينية ولايقبل الا بأن يضع عليها عمامات وصلبانا .. ولم ير في فترة السنوات الأربعين سوى حكم طائفة وليس حكما وطنيا بأبناء الوطن .. في ثقافته الضحلة ليس كل السوريين سواسية .. وليس أن لافضل لسوري على سوري الا بالوطنية بل بطائفته .. هذا هو وزير الثقافة الذي كان يتولى أهم حقيبة للسوريين .. حقيبة الثقافة ..

الاستعلاء الطائفي ليس نتاجا ثقافيا بل نتاجا انحطاطيا وعنصريا فاقعا أقبح من التمييز العنصري ضد الملونين .. يمكن أن يقول روبرت موغابي هذه العبارة للمستعمرين البيض ولعصابات سوموذا .. ويمكن أن يقولها نيلسون مانديلا لفريدريك دوكليرك حاكم جنوب افريقيا الأبيض ..ويمكن أن يقولها وزير الثقافة والاعلام السعودي لآل سعود (هل في السعودية ثقافة؟).. لكن ان يقولها مواطن سوري مثقف بحق مواطن سوري له نفس حقوقه وواجباته وله ثقافته وهو شريكه في الدفاع عن الوطن ولقمة الخبز وشريكه في التاريخ وصناعة الحرف واللغة فانها عار وذروة العار .. عار على وزير ثقافة ناهضة سابق وثورجي للكرامة والحرية والتعددية أن يذكر مثل هذه العبارة المشينة التي لايقولها الا أحد تلامذة العرعور .. فهل عرفتم الآن لماذا هزمنا ثقافيا أمام ثقافة الغرب والشرق ولماذا نستورد الثورات والنظريات السياسية مثل السيارات؟ .. ولماذا لدينا اسرائيل تتمدد شرقا وغربا؟؟ ولماذا يبتلع الغرب كل الشرق من أفغانستان الى العراق الى الخليج الى ليبيا وتونس ومصر؟؟ وهل عرفتم لماذا لايزال سايكس بيكو يتمددان على أرائك هذا الشرق؟ ولماذا يحس برنار هنري ليفي بغواية التمطط على وسائدنا؟؟ هذا هو قلب وزير ثقافة محتال ومنافق وطائفي ربما يعكس ثقافة منافقة ومتهالكة .. وزير لايرى في السوريين الا مواطنين معلبين في طوائف وتصنيفات السادة والعبيد ..

في مثل هذا الجو المتخمر بالعفونة سينمو ألف عرعور .. وسيموت نزار قباني وحاراته الدمشقية ويموت ياسمينه ووطنه وتنكسر بندقيته التي كان يريد ان يأخذها معه الى فلسطين .. وسيمحو محمود درويش "سجّل انا عربي" .. وسيطلب ممن يسجل الهويات منذ اليوم "سجل عندك طائفتي" .. وستموت كبرياء المتنبي الذي عندما رشقه سيف الدولة بدواة الحبر وشج جبينه .. انتصب معتدا بنفسه .. وغادر حلب وسيف الدولة وبقي سيد الخيل والليل والبيداء ورفض أن يبتسم ويهرج للأمير ورفض أن يكون جحا .. حتى لسيف الدولة ..

ليس المقصود هنا كلام شخص بعينه ولاماقاله هذا الوزير القهوجي بل الثقافة المهترئة وثقافة العبيد الذين يبدلون السادة ولايبدلون العبودية .. ولايبحثون عن الحرية بل عن سادة جدد .. ولاتستغربوا أن يخرج علينا وزير الثقافة بعد نهاية الثورة ودمارها ليقول بأنه كان ينافقها وأنه كان يرى فسادها وعنفها الرهيب ..ولكنه كان خائفا ..فمن نافق مرة سينافق كل عمره .. بمثل هذه الثقافة تصنع الثورات على شاكلة ثورات الربيع العربي .. وبمثل هؤلاء المثقفين يصبح العريفي والقرضاوي طلقاء في عقول الناس .. ينهبون وعيهم ويسلبون حياة أبنائهم ويوقدون أمجادهم من أجساد عشرات آلاف الشباب .. بسبب هذا النوع من المتثاقفين الذين أمسكوا المشهد الثقافي الشرقي في كل الشرق وصل الاخوان المسلمون وحزب النور ورجال بندر وحمد الى حكم مصر ويتداولونه بينهم كأنه متاع .. ووصل رئيس معتوه أبله الى رئاسة تونس وضاعت ليبيا .. وضاع العراق ..

بسبب الانحطاط الثقافي والأخلاقي الذي قاده أمثال هؤلاء المثقفين تحطمت ثقافة الاستقلال الوطني ونهضت ثقافة تمجيد الاستعمار .. وتحول حزب الله الى حزب الشيطان .. وتحول حزب شاس الاسرائيلي الى حليف لكتيبة عائشة في الضاحية الجنوبية لبيروت .. وتناسلت وتكاثرت كتائب الطوائف والمذاهب .. وبسبب هذا الانحطاط الفكري والقيح في العقول قتلت ثقافة التحرر من الاستعمار ونهضت ثقافة التحرر من الاستقلال الوطني بالاستعمار .. بسبب هؤلاء تراجعت الثقافة في الشرق كله أمام طوفان الغاز والنفط .. وبدل أن تروض الثقافة النفط عملت عنده جارية ونامت في فراشه .. ورضيت باهاناته وتحرشاته وجهاده في النكاح .. وصار الشرق منتجا لثقافة ارضاع الكبير ومضاجعة الوداع وجهاد النكاح .. ونكاح الثقافة .. وآخر بلائنا كان التحرر من أوطاننا وظهور جيل غاب وعيه وهو يحارب بشراسة مع جيوش الاستعمار ضد استقلال بلده .. وضد جيش بلده .. ووصل الينا الاخوان المسلمون السوريون الذين يريدون اعادة جمال باشا السفاح بمشانقه من أجل امارة اسلامية .. ووصل محمد مرسي واخوانه المتعطشين للسلطة والحكم حتى ببيع سيناء .. الذين يصفون الجيش المصري اليوم بأنه جيش كامب ديفيد لأنه حرمهم متعة السلطة ويفترون عليه بأنه قهر معتصمي رابعة العدوية بذخيرة اسرائيلية .. ونسوا أنهم كانوا يريدون أخذ هذا الجيش للجهاد في سورية وليس ضد اسرائيل ..أي الجهاد نيابة عن اسرائيل .. في جهاد الانابة ..

نعم ثقافتنا منخورة .. ومقهورة .. وزانية .. وللأسف فانها حبلت سفاحا من ثقافة الرمل والانحطاط لأننا لم نحرسها وتركنا حراستها لنواطير الثقافة والفكر ممن اعتادوا أن ينافقوا ويمارسوا العبودية ودور المهرج والكاراكوز ودور البوابين والسفرجية .. وأنجبت لنا مواليد لاتنتمي الينا ولاننتمي لها .. مواليد مشوهة .. ليست منا ولاتشبه كبرياءنا .. ولاتشبه عنفواننا .. ولامروءتنا .. ولااعتدادنا بنفسنا .. ولكي تعرفوا ضآلة أزمة الثقافة العربية والشرقية ومكانتها هذه الأيام هاكم هذه القصة من كتب التراث: فقد كان للخليفة هارون الرشيد جارية سوداء يحبها كثيرا اسمها "خالصة".. وفي احدى المرات دخل أبو نواس على الرشيد الذي كانت خالصة تجالسه وعليها من الجواهر والدرر مايذهل الأبصار، ومدح أبو نواس الخليفة بأبيات بليغة اعتقد انها ستثير اعجابه .. ولكن الخليفة كان مشغولا بالجارية الجالسة عنده، فلم يعره الرشيد كثير اهتمام .. فغضب أبو نواس وغادر المجلس .. ولكنه كتب لدى خروجه على باب مجلس الرشيد :

لقد ضاع شعري على بابكم --------- كما ضاع در على خالصة


ولما وصل الخبر الى الرشيد غضب غضبا شديدا وأرسل في طلب أبي نواس، وعندما وصل أبو نواس ومر بالباب محى تجويف العين من لفظتي "ضاع" فأصبحت "ضاء" .


ثم قدم أمام الرشيد .. فقال له الرشيد حانقا: ماذا كتبت على الباب ياأبا نواس؟ فقال: كل خير ياأمير المؤمنين .. لقد كتبت:


لقد ضاء شعري على بابكم ---------------- كما ضاء در على خالصة


فنظر الرشيد وأعجب ببديهته وأجازه ... فقال أحد الحاضرين : هذا شعر قلعت عيناه فأبصر

مثقفو اليوم وبالذات مثقفو الثورات العربية الذين اعتقدنا أنهم عندما يكونون حول الشخصيات العربية المؤثرة سيؤثرون بها ويضيؤون لها قناديل الثقافة والفكر بل ويرشدونها فاذا بهم ينافقون ويهرجون مثل جحا .. هؤلاء لايمكن أن يجلسوا في حذاء ابي نواس .. وهم ليسوا في مقام ابي نواس صاحب الأبيات المتمردة الشهيرة التي تمردت على ثقافة عصره البالية التي تحداها بشعر مثل (عاج الشقي على رسم يسائله وعجت أسال عن خمارة البلد) .. بل هؤلاء المثاقفون في مقام جحا وخالصة .. خالصة التي تجلس هذه الأيام في أحضان المنافي الخليجية بين ايدي الأمراء الذين يتناقلونها .. فمن حضن حمد ذهبت "خالصة" الثورة الى حضن بندربعد أن مر عليها اردوغان والناتو .. انها ثقافة جحا وخالصة .. وثوار جحا وخالصة .. يريدون السطو على عرش الرشيد وأبي نواس وعرش الوليد بن عبد الملك .. بأن يقلعوا عيون الوطن ..ونون الوطن .. وجذور الوطن ..

ولكن كيف يفعلون ذلك ونحن من سيطهر هذه الثقافة من العبيد والجواري وخالصة وجحا .. وسنزرع منذ اليوم في كل زوايا الثقافة كبرياء المتنبي .. وعنفوان نزار قباني .. وسنمحو كل السجلات الاخوانية والوهابية والطائفية .. وسنبقي سجل محمود درويش يقول: سجل .. أنا عربي .. سجل .. انا سوري..

واذا كان شعر أبي نواس شعرا قلعت عيناه فأضاء .. فان وطننا سيضيء باقتلاع عيون النفاق في الثقافة واقتلاع المهرجين .. واقتلاع عيون الطائفية وعيون الطوائف ..وسيضيء بدمنا ..

نارام سرجون


Viewing all articles
Browse latest Browse all 27504

Trending Articles