أنبيك يسوعاً.. عن "قبلة"يهوذا الجولاني وصكوك الغفران في معلولا؟
لايزال نصل قلمي يقطر دماً من أجساد الكلمات المنافقة ومن دماء المفردات الآثمة.. ولا يكاد ينتهي نهار حتى يعود إليّ من غزواته وقد تسربل بدم الكلام الفاسد الذي فتك به قلمي أشد الفتك.. قلمي لايزال يلمع في هذا الليل الطويل وينحت في وجه الليل ضياء الشهب.. ويحفر الأنفاق في عين الليل السوداء نحو الشمس..لا يروض الأقلام إلا لجم السياسة والمال وإسطبلات الرخاء.. ولكن قلمي ليس له لجام لأنه حصان بري يجري على مساحات الورق كما لو كانت براري شاسعة.. وأنا لا أجرؤ على أن أفكر يوما في أن أضع لجاما في فم جواد متمرد.. ولن أحاول يوما كبح جماحه وعنفوانه.. وستبقى سنابك قلمي تدوس الكلام الذي يتلوى كالأفاعي السوداء.. وسيبقى لا يعبأ عندما تتراقص أمامه ألسنة الحروف المشقوقة كألسنة الثعابين فيقطعها.. قلمي بيدي صار يشبه رمح "مارجرجس"وهو يطعن تنين الربيع الأخضر الذي يأكل البشر والحجر..
وأنتم تعرفون أنني لم أتوقف يوماً عن الإغارة على وطاويط التيارات الإسلامية ووحوشها التي عضها دراكيولا المسلمين (محمد بن عبد الوهاب) ووطاويطه.. فصارت الجموع مصاصة دماء تغرز سكاكينها في الأعناق ولا تشبع.. الوطاويط تملأ السماء.. ولكن النهار يطلع والوطاويط صارت تعض بعضها وهي تبحث عن كهوف تلوذ بها..
ولم أكن يوما ضد الدين.. ولا ضد الله.. بل إنني نشأت متدينا.. ولكني أريد اليوم
"تحرير الله"من الأسر.. لا تغضبوا مني.. فالمعنى هنا بالطبع مجازي لأن التيارات الإسلامية الوهابية سرقت الله من بيته العتيق وأقامت عليه الحدّ وتريد قطع رأسه.. وصار الله الذي عرفناه وأحببناه ولجأنا إليه وصلينا له خاشعين سجينا عند جبهة النصرة وداعش والإخوان المسلمين.. وهو يتعلم عند آل سعود القرآن والحديث.. ويتلقى تعاليم الصلاة والصيام على الفضائيات.. ويتسلى بقطع الرؤوس بالسكاكين..
ولكن عندما يسرق "الآب والابن"أيضا فلا فرق بين الوطاويط التي تسرق الله.. الآب.. وبين من يسرق "الابن.. والروح القدس"..
فلقد تابعنا جميعا تفاعلات تصريحات راهبات "جبهة النصرة"..
وتابعنا الجدل الشديد بشأن عملية التبادل "الغامضة".. ومن الضروري في كل شأن وطني أن يتم تبادل الآراء دون الانفعال.. ودون الادعاء بأننا دوما على صواب أو أن الآخرين على خطأ..لا يجب أن نبالغ في الاتهام واللوم.. لأننا لم نكن في ظروف الاحتجاز.. ولا نعرف أسرارها.. ولكن ما صدر ينم عن أن بيلاجيا سياف لم تتعمق كثيرا في رسائل السيد المسيح.. ولم تتلمذ جيدا في اللاهوت.. وتصرفت كأنها ليست راهبة لدير عريق له مهابة كبيرة وقداسة كبيرة ومعنى كبير جدا.. ولاشك أن المهمة التي شغلتها في معلولا فضفاضة عليها كثيرا وهي لا تعرف رمزيتها اللاهوتية..
من يعرف الراهبات في الأديرة -وقد عرفتهن وكانت أولى نسخ الإنجيل في مكتبتي هدية منهن- يعرف كم هن بعيدات عن تعقيدات الحياة وحسابات البشر الدنيوية وكم فيهن من براءة وتصورات طفولية للحياة وتخيلات صوفية.. وكثير منهن لا يعرفن كثيرا عن الحياة والجدل بين الناس خارج الأديرة.. ولم أستغرب أن ذلك بدا على ملامح وتصريحات إحدى الراهبات العائدات من رحلة "الخطف"في يبرود والتي كانت تتحدث بعفوية دون تمثيل.. وعندي شعور قوي أنها لا تقصد ما فهم من رسالتها وأنها كانت تعبر عن مشاعرها بمعزل عن الخلفية السياسية التي لا يبدو أنها تعرف عنها الكثير..
لكن بيلاجيا سياف راهبة لا تبدو أنها من ذلك النوع الساذج.. وتبدو شخصية قوية وتدرك ما تفعل وما تقول.. وتصريحاتها ليست مجرد رأي بل تشبه "بيانا سياسيا".. ورسالة..
ليس لدينا اعتراض على أن تعترف راهبة بأنها عوملت بشكل حسن وهذا واجب أخلاقي ولا يطلب منها أن تمارس البرباغاندا.. ونحن لا نتمنى بالطبع أن يساء إليهن لنستغل ذلك فنقوم بالتشنيع على أعدائنا.. فلسنا تجار آلام ولا نبيع آلام وعذابات الآخرين في سوق الدعايات والسياسة والإعلام.. والشكر لله أن سوءا لم يلحق بهن.. ولكن هذا الإغراق في المديح لمجموعة من القتلة من جبهة النصرة يشبه أن يقول السيد المسيح ليهوذا الاسخريوطي: شكرا لأنك قبلتني.. وشكرا لأنك أمضيت معي العشاء الأخير.. وشكرا لبطرس الذي أنكرني ثلاث مرات..
يهوذا الاسخريوطي كان مقربا من السيد المسيح ومن تلامذته.. ولكن قبلة يهوذا كانت قبلة الخيانة.. وقبلة الموت.. إلا أن سؤال المسيح الاستنكاري له كان رسالة من أقوى رسائل الاحتجاج والتأثيم عندما قال له: يايهوذا أبقبلة تسلّم ابن الإنسان؟؟ وهي نفس الرسالة التي يمكن أن يقولها السيد المسيح لبيلاجيا سياف: أبقبلة من جبهة النصرة تسلمين ابن الإنسان؟؟..
والسوريون جميعا وبالذات المسيحيون منهم يعرفون من هي جبهة النصرة.. وما تضمر لهم وحجم الكراهية لكل من يختلف عنها.. والجميع يعرفون نداءات الموت للمسيحيين التي حملها الهواء بألحان جبهة النصرة ورائحة الدم المنبعثة من ردائها.. ولذلك لا يصح اعتبار قبلتها لهم عبر الراهبات إلا بأنها قبلة يهوذا.. وقبلة "جبهة النصرة"التي نقلتها لنا بيلاجيا سياف هذه ربما محاولة لشق الجسم المسيحي السوري عن بقية أجزاء الجسد السوري في الأزمة.. وربما تريد أن تقول من خلالها جبهة النصرة والتيارات الوهابية بأن لديها عرضا بتحييد المسيحيين في الصراع مع الدولة السورية.. وبذلك يتولد تيار مسيحي سوري من نوع مذهب "النأي بالنفس".. وهذا زرع لإسفين بين الكنائس السورية.. وهي محاولة أيضا للقول بأن الصراع الآن خرج منه المسيحيون وبقي فيه المكون السني ضد المكون الشيعي فقط.. وهذه محاولة لشق الصف الوطني السوري وتلاحمه المذهل بمسيحييه ومسلميه وجميع الطوائف..
ولكن قبلة جبهة النصرة هي اعتراف واضح من التيارات الإسلامية أن المسيحيين السوريين كان لهم دور بارز في التصدي للمشروع الظلامي عبر الانخراط المباشر للكثيرين منهم في المعركة.. وعبر تنشيط الكنائس الأوروبية ضد مشروع إسقاط الدولة العلمانية السورية وشرح خطره.. وقبلة جبهة النصرة هي محاولة لإضعاف الصف الوطني السوري بإخراج بعضه من المعركة وتفكيكه لأنه هدف ثمين.. فهناك إدراك متنام أن المسيحيين السوريين يلعبون دورا مهما في الصد عبر التواصل مع الكنائس الغربية.. وأنا شخصيا لدي اتصالات مع حركات كنسية غربية تخصص صلوات لتتضرع بها إلى الله أن ينصر الدولة السورية ضد موجة الظلام الديني.. وكان للمسيحيين السوريين دور كبير فيها..
وتصادف العفو عن (أبو محمد الجولاني) بشطب اسمه من قوائم الإرهاب بشكل مفاجئ ودون مبرر مع تصريحات الراهبات اللاحق يفهم منه أن النصرة تريد عقد صفقة مع الأمريكيين بشهادة الراهبات.. لإحداث اختراق في الصف المسيحي.. لخلق حالة من التردد عند المكونات المسيحية الوطنية في متابعة المعركة والتحول إلى براغماتية مسيحية (النأي بالنفس).. وهو إحياء للمشروع الطائفي.. يهدد المسيحيين للأسف قبل غيرهم..
مهما قيل من مبررات فليس في مدائح الراهبات للقتلة وفي عدم احتجاجهن على إهانتهن بالخطف والمساومة دليل على قدرة كبيرة على التسامح.. بل على أنانية مفرطة.. وليس فيها من فدائية السيد المسيح.. الراهبات الناجيات من مصيرهن لم يعرفن على ما يبدو رسالة يسوع الذي ضحى بنفسه ليخلص الإنسان من آثامه وخطاياه.. ولم يكن لديهن الرغبة بإتباع نهج معلمهن في الفدائية وإلا لما رأين في خلاصهن بشارة تشكر عليها الوطاويط.. وتصريح الراهبات لا يرى فيه لاهوت ولا فدائية المسيحولا سوطه الذي ضرب به في الهيكل.. فهو كلام يقول:أنا، ومن بعدي الطوفان.. لا يهمني من قتل ومن ذبح.. ولا يهمني من سيقتل أو سيذبح طالما أنني نجوت..
"تحرير الله"من الأسر.. لا تغضبوا مني.. فالمعنى هنا بالطبع مجازي لأن التيارات الإسلامية الوهابية سرقت الله من بيته العتيق وأقامت عليه الحدّ وتريد قطع رأسه.. وصار الله الذي عرفناه وأحببناه ولجأنا إليه وصلينا له خاشعين سجينا عند جبهة النصرة وداعش والإخوان المسلمين.. وهو يتعلم عند آل سعود القرآن والحديث.. ويتلقى تعاليم الصلاة والصيام على الفضائيات.. ويتسلى بقطع الرؤوس بالسكاكين..
وتابعنا الجدل الشديد بشأن عملية التبادل "الغامضة".. ومن الضروري في كل شأن وطني أن يتم تبادل الآراء دون الانفعال.. ودون الادعاء بأننا دوما على صواب أو أن الآخرين على خطأ..