هذه المرة أكتب موقف الجمعة من العاصمة السورية دمشق التي أزورها منذ عدة ايام , وتشهد معارك طاحنة في ريفها الشمالي للسيطرة على طرق الإمداد في امتداد لمعركة يمكن تسميتها معركة السيطرة على طرق الإمداد من الحدود اللبنانية السورية الى الحدود السورية التركية . منذ شهر شباط/فبراير الماضي اعتمد الجيش السوري خطة جديدة في القتال تعتمد على مبدا عدم الدخول الى المناطق السكنية الحاضنة للمسلحين والقيام بعملية حصار لمناطق تواجدهم عبر السيطرة على طرق الإمداد التي يستخدمها المسلحون للتواصل بين مناطق تواجدهم وللتزود بالسلاح والذخيرة ، وتشمل هذه العملية طرق الإمداد من الحدود اللبنانية عبر البقاع الشمالي في سهل القاع وبلدة عرسال وصولا الى الحدود الشمالية عند منطقة إعزاز على الحدود السورية التركية. فك الحصار عن مطار حلب.. في شهر شباط/فبراير الماضي بدأ الجيش السوري عملية عسكرية في شرق مدينة حلب لفك الحصار عن مطار المدينة, وقد نشرنا تقريرين مفصلين عن الموضوع في موقف الجمعة بتاريخ الأول من آذار/مارس الفائت وفي موقف الجمعة الأسبوع الماضي، وقد تمكن رتل من الجيش السوري أتى من حماه بالاتفاف على مناطق تواجد جبهة النصرة في مدينة السفيرة وفك الحصار عن مطاري حلب العسكري والمدني, بعد معارك خاضها في بلدة خناصر, وبلدات تل عرن وتل حاصل ومرتفع تل شغيب الاستراتيجي المشرف على الطريق الى المطارين المذكورين. وقد امن الجيش السوري عبر هذه العملية طريقا عسكريا يمتد من دمشق مرورا بحمص في الوسط ومن ثم حماه باتجاه مطار حلب . في نفس الوقت كان الجيش السوري يخوض معركة قطع طرق الإمداد على المسلحين في وسط سوريا وتحديدا في ريف مدينة القصير على الحدود اللبنانية السورية وتعتبر محافظة حمص في سوريا والتي يطلق عليها المنطقة الوسطى، ساحة حرب استراتيجية محلية ودولية في الصراع الدائر منذ سنتين في سوريا وعلى سوريا ، واسم هذه المنطقة ينطبق تماما على موقعها في قلب الدولة السورية, فهي اكبر المحافظات السورية من حيث المساحة حيث تبلغ مساحتها43 الف كلم ,وهي تتوسط الطريق بين الجنوب والشمال السوري فضلا عن وقوعها على الطريق بين دمشق وحلب, ولها ارتباط بالبادية عبر الطريق الصحراوي الذي يربط حمص بمدينة تدمر, وهي تخاذي الحدود اللبنانية من الشمال عند تل كلخ ومن البقاع الشمالي. ونتيجة لهذه الموقع الجغرافي كانت حمص الهدف العسكري الأول الذي اختارته المعارضة المسلحة لتحركها وتحديدا في حي بابا عمر ذي الغالبية التركمانية. أما حدود محافظة حمص مع لبنان فتشكل ممرا كبيرا وواسعا للسلاح والمسلحين الى الداخل السوري عبر تلكلخ في الشمال، ومعبر جوسية في البقاع الشمالي ومدينة عرسال في السلسلة الشرقية للبقاع الشمالي في لبنان، غير ان لمعبر جوسية ميزة كبرى ,فهو يحاذي مدينة القصير , ويقع على الطريق الدولي القريب لمدينة حمص بينما لا تتمتع معابر عرسال بهذه الميزة, وبالتالي فإن الدخول الى الأراضي السورية والى حمص والقصير تحديدا يقتضي عبور بضعة كيلومترات من جوسية , بينما يلزمه للعبور من عرسال الى حمص اكثر من مائة كلم, لهذا يتشبث المسلحون بالمعبر وبالقرى المحيطة به التي تغذي القصير وحمص بالسلاح والرجال عبر لبنان، وتشكل منطقة الجورة في مشاريع القاع وتل الجنش في سوريا وجوسية الخرابة معابر استراتيجية لاستمرار المسلحين في التزود بالعتاد والرجال في معركتين اساسيتين في المحافظة: أ – في مدينة حمص للسيطرة عليها , وفتح طريق نحو دمشق , وقطع طريق دمشق حلب ودمشق الساحل. ب – في مدينة القصير وريفها حيث يسعى المسلحون لوصل غرب القصير بلبنان عبر هيت, ومن ثم الوصول الى تل كلخ , وبالتالي فتح طريق امداد عسكري من شمال لبنان الى القصير ومن ثم حمص. في غرب القصير تعاني المعارضة من عقبات ديمغرافية عديدة. هذه المنطقة غالبيتها مؤيدة للنظام , وأهاليها تكفرهم جبهة النصرة ,ويحتاج المسلحون للوصول الى هيت ومن ثم الى تل كلخ عبور عدة قرى مؤيدة للنظام . الى الجنوب من القصير يقع معبر جوسية حيث تتلقى الجماعات المسلحة التي تحارب في القصير وفي حمص امدادات كبيرة. وقد قام الجيش العربي السوري بعملية كبرى ونوعية في المنطقة سيطر خلالها على منطقة تل الحنش وهي منطقة تجمع أساسية للمسلحين وقرية جوسيه الخراب والحاجز 114 , ما جعل مدينة القصير محاصرة تماما ومن غير الممكن بعد اليوم تزويدها بالسلاح عبر لبنان , ما سيُصعب الوضع العسكري على المسلحين في القصير وريفها الذين سوف سيجبرون في حالة النقص في السلاح والذخائر على التراجع في الكثير من المواقع في ريف القصير الى داخل المدينة. هناك سيواجهون احتمالين. 1 – القتال في القصير , مع العلم أن المعركة ستحتاج الى مخزون كبير من السلاح والذخيرة الذي سوف ينفذ بسرعة وبالتالي مواجهة مصير بائس. 2 – الانسحاب باتجاه مدينة حمص , وترك المنطقة للجيش العربي السوري مع ما يعنيه هذا من انتصار عسكري ومعنوي للنظام وقواته. وفي الحالتين تكون المعارضة قد خسرت معركة المنطقة الوسطى , ما يعني فشل خطة الهجوم الواسع على دمشق وإسقاط النظام. وقد خاض الجيش معركتين حاسمتين مكنته من السيطرة على كافة طرق امداد المسلحين في المنطقة. أ - معركة تل النبي مندو.. يوجد فيه قبر مندو الأخ الأصغر للنبي يوسف عليه السلام, هو يحمل اسمه حاليا , بينما كان يسمى في كتب التاريخ (تل قادش) ,وهو تل أثري يحوي الكثير من الآثار الفرعونية والحيثية والرومانية , يقع الى الغرب من مدينة القصير, جرت فيه عبر التاريخ إحدى أشهر المعارك بين الفراعنة والحيثين (معركة قادش) . يشرف التل على كامل ريف القصير الغربي والشرقي بما فيه مدينة القصير ,ويطل على جميع القرى الممتدة على الحدود اللبنانية السورية من منطقة تلكلخ الى جوسيه مرورا بحوض العاصي ، وهو بذلك يعد نقطة رصد استراتيجية مهمة للغاية, وقد سيطرت عليه المجموعات المسلحة لمدة ساعات خلال الأسبوع الماضي, لكنها سرعان ما انسحبت منه الى محيطه المباشر, بعدما شنت عليه الطائرات السورية غارات مكثفة، وقد تمكنت مجموعة من اللجان الشعبية من دخول الموقع في اليوم التالي لسقوطه بيد المسلحين , دارت معركة طاحنة بين الطرفين في محيط التل, انسحبت على أثره المجموعات المسلحة من محيطه المباشر ، وقد استعاد الجيش السوري هذا التل الاستراتيجي مساء الخميس , ما مكن الجيش من السيطرة على طرق الإمداد نحو القصير وحمص من جهتي القاع وتلكلخ. ب - معركة حاجز14.. عند سيطرة مسلحي المعارضة على تل 14 أو حاجز 14 اعتبرته مواقع التنسيقيات النصر الكبير الذي سوف يغير مجرى معركة القصير والمنطقة الوسطى، للأهمية القصوى التي يشكلها هذا التل ذات الارتفاع القليل ولكن المشرف على كل طرق تهريب السلاح بين سوريا ولبنان في منطقة جوسيه، وقد تمكنت قوة من الجيش السوري من استعادة تل 14 يوم الأربعاء قبل الماضي , وتقوم القوات السورية بتحصينات في الموقع ,وسوف يعزز الموقع بكتيبة من الجيش السوري حتى لا يعاد احتلاله مرة أخرى. استعادة هذا التل بالتزامن مع فقدان المجموعات المسلحة السيطرة على جوسيه الخراب وعلى تل الحنش يصبح للجيش السوري قدرة السيطرة على جميع طرق تهريب السلاح من لبنان في تلك المنطقة ، ما يضع المسلحين هناك في حصار منهك بعيدا عن التزود بالسلاح والذخيرة عبر طرق افتتحها ويستخدمها المهربون وغالبيتهم من بلدة عرسال في البقاع الشمالي. معركة الغوطة الشرقية... وفي استكمال لعملية السيطرة على طرق الإمداد عبر سوريا, قام الجيش السوري بعملية واسعة في الغوطة الشرقية لدمشق, وبفك الحصار عن فوجي الكيمياء والإشارة في منطقة عدرا, وتابع تقدمه باتجاه قرية ميدعة وحوش الفارة, والتقت القوات هذه مع رتل من القوات طهر منطقة العتيبة وحران العواميد , ما وضع الغوطة الشرقية بين فكي كماشة وقطع طرق الإمداد من درعا باتجاه العتيبة في الغوطة الشرقية ومن عرسال في لبنان الى سوريا عبر قرى فليطة ,ورنكوس ,والقسطل باتجاه عدرا في الغوطة الشرقية. الطريق الى إعزاز.... في نفس الوقت كان الجيش السوري يشن هجوما واسعا لفك الحصار عن مدينة حلب وتأمين طريق اتصال وإمداد بين مطاري حلب المدني والعسكري والمدينة , وتوجه رتل من الجيش باتجاه مدينة حلب منطلقا من المطار حيث تمكن من السيطرة على قرية العزيزة ,وهي تل استراتيجي كان منطقة خطف وقتل, ومنها تم إغلاق طريق مطار حلب الدولي. وفي الجهة المقابلة للعزيزة يتواجد حي المرجة بداية الأحياء الشرقية لحلب ,ومن يسيطر على حي المرجة ودوار الليرمون يقطع طرق الإمداد عن المسلحين من الشمال والشرق, ويفصل بين شرقي مدينة حلب والريف الشرقي للمدينة. كما قام الجيش بالسيطرة على طرق إمداد رئيسة للمسلحين بين الريف الشمالي والمدينة ,وهي دوار الجندول ومشفى الكنيدي ودوار الليرمون وطريق كاستيلو التي قام عبرها الجيش بعملية التفاف مفاجئ ، ويتوقع ان يستكمل الجيش السوري تقدمه من الليرمون باتجاه اعزاز على الحدود التركية عبر مناطق عندان وحريتان ونبل وعفرين وصولا الى مطار (منغ) العسكري المحاصر منذ عدة أشهر ومنه الى مدينة إعزاز لقطع طريق إمداد المسلحين بين حلب وتركيا. موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه |